قراءة في خطاب الرئيس الفلسطيني

بقلم: 

ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعون, تضمن العديد من النقاط الأساسية والتي تؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ومرحلة جديدة في الحياة السياسية الفلسطينية, واضعاً أكثر من اثنين وعشرين سنة خلف الظهر السياسي لرسم خارطة طريق فلسطينية جديدة, تتطلب الكثير الوعي والادراك والمسؤولية السياسية والوطنية والتاريخية والشعبية من الجميع والتعامل بمبدأ (لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين) والتعامل بمسؤولية مع ردة الفعل المتوقعة  للخطاب من قبل أمريكا وإسرائيل بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام.
جاءت كلمة الرئيس الفلسطيني لتجدد التأكيد على شرعية الحقوق الفلسطينية والالتزام بالشرعية الدولية أمام المجتمع الدولي, وموضحاً كافة الممارسات والانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة بحق المقدسات الإسلامية لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً وتهويد القدس, واستمرار الاحتلال والتوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني واقتحام المدن الفلسطينية وارتكاب الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني, واستمرار اعتقال المواطنين, واستمرار الحصار على قطاع غزة, وأن كافة تلك الاعتداءات والممارسات مدعومة بغطاء وحماية من قبل حكومة الاحتلال وبتأييد ودعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق الفيتو تجاه أي قرار يدين الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وأي مبادرة لتحريك عملية السلام لا تتلاءم مع الرؤية الأمريكية, مطالباً في ذات الوقت المجتمع الدولي بمراجعة حقيقية للقرارات الشرعية الصادرة عن الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية, التي لم تنصف الحقوق الفلسطينية ولم تقدم أي حل للقضية الفلسطينية على مدار سبعة وستون سنة من الصراع. إن عدم محاسبة إسرائيل من قبل المجتمع الدولي ودعاة حقوق الإنسان والديمقراطية إزاء جرائمها وانتهاكاتها وممارساتها جعل منها دولة فوق القانون, وأن استمرار إسرائيل في ممارساتها قد أفشلت كافة الجهود المبذولة للتوصل لاتفاق سلام وقوضت من فرص حل الدولتين.
تطرقت كلمة الرئيس للعديد من النقاط الرئيسية والهامة, وهذه النقاط يمكن إجمالها في النقاط التالي:
أولاً: أكد الرئيس على الخطر الحقيقي الذي تتعرض له القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية من ممارسات وانتهاكات مستمرة, لافتاً إلى إمكانية تحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع ديني, وأن كافة الممارسات التي تقوم بها إسرائيل والمستوطنين وكافة القرارات التي تصدر من قبل الحكومة إسرائيل جميعها ذات طابع وصفة دينية, كما استطرد في شرح وتوضيح كافة الممارسات التعسفية والتوسعية والاعتداءات التي تنفذها إسرائيل في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة, ضاربة بعرض الحائط ومتجاهلة كافة القوانين والقرارات الدولية وتنصلها من الاتفاقات الموقعة بين فلسطين وإسرائيل.
ثانياً: أراد أن يُذكر الأمم المتحدة بالأهداف التي أنشئت من أجلها وهي حماية الأمن والسلم الدوليين وحقوق الإنسان, مؤكداً على الفشل الذريع التي منيت به الأمم المتحدة في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وصون حقوقه وإقامة الدولة الفلسطينية وبالتالي الفشل في حل القضية الفلسطينية.
ثالثاً: انتقد الرئيس بشكل واضح سياسة الولايات المتحدة الأمريكية حينما تساءل "هل تصويت دول ديمقراطية عريقة ضد القرارات الخاصة بفلسطين وبحقوقها المشروعة يخدم السلام ودعاته ممن يؤمنون بحل الدولتين؟ أم أنه يخدم ويشجع المتطرفين ويزيدهم حقداً وعنصرية ويجعلهم يشعرون أنهم فوق القانون...", والرسالة التي أراد الرئيس أن يوصلها من هذا السؤال, أن لولا الدعم والمساندة والحماية الأمريكية المستمرة لإسرائيل لما استطاعت أن تبلغ كل هذه القوة, وأن دعم التطرف سيولد مزيداً من التوتر والصراع سواء في فلسطين أو في المنطقة, وأن حل القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه بإقامة دولته سينعكس إيجاباً على سائر المنطقة, كما انتقد تلك الدول التي تؤيد حل الدولتين وفق قرار التقسيم ولم تعترف بالدولة الفلسطينية حتى هذه اللحظة.
رابعاً: أشار الرئيس إلى الأهمية الدينية التي تتمتع بها فلسطين, فهي مهبط الأديان السماوية, وملتقى المحبة والسلام, ونموذج للتعايش السلمي بين كافة شرائح المجتمع, لافتاً إلى أن فلسطين وأهلها دعاة سلام ومحبة, ليذكر المجتمع الدولي بأن السلام يبدأ من فلسطين, وأن كافة الأزمات التي تتعرض لها المنطقة من إرهاب وحروب ذات طابع ديني ستنتهي بتحقيق السلام في فلسطين أولاً.
خامساً: استمرار السلطة الوطنية الفلسطينية في مسيرة بناء الدولة ومؤسساتها والمضي قدماً للانضمام في المزيد من المنظمات والمعاهدات الدولية, والسعي لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية, والتصدي لكافة المخططات والمؤامرات الإسرائيلية.
سادساً: إن مسيرة المفاوضات لم تسفر عن أي نتائج ولم تحقق أي تقدم وأي اختراق يُذكر, وأن الوضع الحالي والقائم غير قابل للاستمرارية, بسبب التعنت الإسرائيلي وانكار الحقوق الفلسطينية ورفض المطالب الفلسطينية وعدم التزامها بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الاتفاقات الموقعة بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي, إلا أن الرئيس لم يغلق باب المفاوضات وعملية السلام, وذلك بتجديد الترحيب بالمبادرة الفرنسية والتأكيد على مبادرة السلام العربية والتمسك بكافة قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي, ولكن ضمن رعاية دولية.
وأمام هذه الحقائق والوقائع التي تطرق لها الرئيس الفلسطيني, طالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن بالوقوف أمام مسؤولياتهم في حماية الشعب الفلسطيني وتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني, كما أعلن الرئيس عن عدم الالتزام الفلسطيني بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي, ما يعني أن الرئيس الفلسطيني أراد من وراء هذا الإعلان أن يحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأمريكا وإسرائيل فشل تلك المرحلة, وأن تقف الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها والعمل بشكل جدي إلى تطبيق القرارات الدولية وإلزام إسرائيل بتلك القرارات, والعمل على منح حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية.
هذا الإعلان إذا ما تم تطبيقه سيكون تنفيذاً لما جاء من قرارات في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني والذي تضمن التمسكالمطلقبالثوابتوبالحقوقالوطنية, وتحميلسلطةالاحتلالمسؤولياتهاكافةتجاهالشعبالفلسطينيفيدولةفلسطينالمحتلةكسلطةاحتلالوفقاًللقانونالدولي, ووقفالتنسيقالأمنيبأشكالهكافةمعسلطةالاحتلالالإسرائيليفيضوءعدمالتزامهابالاتفاقياتالموقعةبينالجانبين,وأنأيقرارجديدفيمجلسالأمنيجبأنيضمنتجديدالالتزامبقراراتالشرعيةالدوليةالخاصةبالقضيةالفلسطينيةوالصراعالفلسطينيالاسرائيلي, ورفضفكرةالدولةاليهوديةوالدولةذاتالحدودالمؤقتة،وأيصيغمنشأنهاإبقاءأيوجودعسكريأواستيطانيإسرائيليعلىأيجزءمنأراضيدولةفلسطين.
إنطلب الرئيس هذا يندرج في إلزام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة إلزام إسرائيل بتنفيذ القرارات والاتفاقات والمعاهدات الدولية وكبح جماح التغول الإسرائيلي في الممارسات العنصرية والتعسفية بحق الشعب الفلسطيني, ووضع حد للتوسع الاستيطاني وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية من الانتهاكات الإسرائيلية, ووقف كافة التعاملات والاتصالات مع الجانب الإسرائيلي, مع التأكيد على الاستمرار في السعي الدائم للسلام ولكن واضعاً هذه المرة الكرة في ملعب المجتمع الدولي.
وبعد كل هذا, فإن المطلوب فلسطينياً بدءً من رأس الهرم السياسي وصولاً إلى القاعدة الشعبية, التأكيد والتمسك بشرعية ووحدانية التمثيل الفلسطيني المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية, وإعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام, والاسراع في اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية لإعادة الشرعية السياسية والقانونية لمؤسسات الدولة لاستمراريتها, والدعوة لعقد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية, وتحديد وصياغة استراتيجية وطنية تتوافق مع متطلبات المرحلة القادمة وتنفيذ إعلان الرئيس وتطبيق قرارات المجلس المركزي, وتكثيف العمل والجهد الدبلوماسي والقانوني من أجل تقديم إسرائيل إلى محكمة الجنائية الدولية, فالمطلوب حالياً هو الانتقال من مرحلة الأقوال إلى مرحلة الأفعال, دون ذلك لن يكون هناك أي قيمة سياسية وتاريخية وشعبية لخطاب الرئيس.