الإمارات والتجربة الديمقراطية

بقلم: 

تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الفيدرالية في شكل وطبيعة نظام الحكم وذلك بوجود حكومة مركزية موحدة وحكومة محلية لكل إمارة, إذ تتميز دولة الإمارات بنظام حُكم اتحادي مكون من سبعة إمارات بانضمام إمارة رأس الخيمة للاتحاد في عام 1972, ومع إعلان استقلال دولة الامارات في الثاني من ديسمبر 1971, والتوقيع على الدستور المؤقت ومن ثم اقرار المجلس الأعلى للاتحاد والمجلس الوطني الاتحادي تعديل الدستور في عام 1996 ليصبح الدستور الدائم للدولة, قسم الدستور السلطات الاتحادية إلى عدد من المؤسسات حيث تتكون السلطات الاتحادية كما جاء في الدستور من خمسة سلطات وهي: المجلس الأعلى للاتحاد, ورئيس الاتحاد ونائبه, ومجلس وزراء الاتحاد, والمجلس الوطني الاتحادي, والقضاء الاتحادي, ولكل سلطة اختصاصها, فالمجلس الأعلى للاتحاد هو السلطة العليا في الإمارات ويتكون من حكام الإمارات السبعة, يقوم المجلس الأعلى للاتحاد برسم السياسة العامة والتصديق على المراسيم والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وغيرها من المهام, أما رئيس الاتحاد ونائبه فيتم انتخابهمامن قبل المجلس الأعلى للاتحاد من بين أعضائه, أما مجلس وزراء الاتحاد فيتكون من رئيس الوزراء ونوابه وعدد من الوزراء الذين يتم اختيارهم من بين مواطني الدولة أصحاب الخبرة والكفاءة, أما المجلس الوطني الاتحادي وهو السلطة التشريعية في الدولة يتكون من أربعين عضواً يتم انتخاب النصف مباشرة من الشعب وتعيين النصف الأخر من رئيس الدولة, أما القضاء الاتحادي للدولة فيتكون للاتحاد محكمة اتحادية عليا ومحاكم اتحادية ابتدائية, وتتشكل المحكمة الاتحادية العليا من رئيس وعدد من القضاة لا يزيد عددهم عن خمسة.

مع اعلان الاستقلال انطلقت مسيرة بناء الدولة ومؤسساتها وسيادة القانون وتعزيز مبدأ المشاركة في بناء الوطن والتنمية, والسعي للتقدم والتطور في كافة المجالات, بتوجيهات حكيمة من المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله, فجاء تأسيس المجلس الوطني الاتحادي في فبراير 1972 لتنطلق معه المسيرة البرلمانية والمؤسسات الدستورية إيماناً بأهمية مشاركة المواطن الإماراتي في العمل القيادي الوطني وتحمل المسؤولية جنباً إلى جنب مع قيادة الدولة في عملية البناء والتطور والتنمية وتعزيز الهوية والمواطنة.

واستكمالاً لمسيرة الإصلاح التي بدأها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله, ودعماً لمؤسسات الدولة أعلن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في خطابه عام 2005 بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لقيام دولة الامارات العربية المتحدة بداية مسيرة التمكين السياسي والتحول الديمقراطي, للحفاظ على مسيرة الاتحاد من خلال تعزيز أواصر التعاون والتنسيق بين أجهزة الدولة الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني وكافة شرائح المجتمع الإماراتي, للمحافظة على الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومواجهة كافة التحديات الداخلية والخارجية. جاء هذا الخطاب وهذا الإعلان في الوقت الذي شهدت فيه العديد من الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط موجة من دعوات المطالبة بالإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي, بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من تطورات في المنطقة, كما جاء هذا الإعلان من قبل الشيخ خليفة بن زايد إيماناً راسخاً وتأكيداً منه على أهمية نشر ثقافة المشاركة السياسية بين المواطنين وتعزيزها عملياً, وتكريس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرص على احترام حقوق الآخرين وتعزيز مبدأ حرية الرأي والتعبير والتسامح والعدالة وسيادة القانون, والمساهمة في عملية التنمية السياسية بما لا يتعارض مع نصوص الدستور. فقد شمل برنامج التمكين السياسي كافة المجالات والجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والإعلامية وغيرها.

جاء قرار تفعيل المجلس الوطني الاتحادي كخطوة أولى في مسيرة برنامج التمكين السياسي, بإجراء انتخابات للمجلس الوطني الاتحادي لاختيار أعضائه الأربعين بانتخاب نصف أعضائه بشكل مباشر من قبل هيئة انتخابية في كل إمارة وتعيين النصف الآخر من قبل حكام كل إمارة, فشهد عام 2006 أول تجربة لانتخابات المجلس الوطني والتي شهدت مشاركة شعبية واسعة في الهيئات الانتخابية بمشاركة ما يقارب 6600 عضو, ليترشح في هذه الانتخابات 456 مرشح ومرشحة, واستكمالاً لمسيرة التمكين جاءت التجربة الثانية لانتخابات المجلس الوطني في عام 2011, لتؤكد على نجاح التجربة البرلمانية الأولى وذلك بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية مقارنة بانتخابات 2006, فقد بلغ اجمالي عدد الهيئات الانتخابية قرابة 130 ألف عضو, ترشح منهم قرابة 470 عضو, وتشهد دولة الإمارات العربية المتحدة في الثالث من أكتوبر 2015 التجربة البرلمانية الثالثة لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي بمشاركة أكثر من 135 ألف عضو في الهيئات الانتخابية وترشح 341, تعزيزاً وتأكيداً على أهمية الحياة الديمقراطية والبرلمانية وتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وتوسيع صلاحياته ومهامه الرقابية والتشريعية والسياسية والمساهمة في صنع القرار, وتأكيداً على مبدأ دورية الانتخابات,لتؤكد على مدى الوعي والحرص وإدراك كافة شرائح المجتمع الإماراتي بأهمية المشاركة السياسية في توفير بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية آمنة ومستقرة.

إن ما يُميز التجربة الديمقراطية والبرلمانية في دولة الإمارات هو حرص القيادة والشعب والمؤسسات الاتحادية والحكومية والغير حكومية على انجاح وتعزيز وتطوير التجربة والمضي قدماً في برنامج التمكين السياسي الذي أعلن عنه الشيخ خليفة بن زايد, وتجسيد العلاقة السليمة بين الحكومة والشعب وفقاً للدستور, والأخذ بعين الاعتبار والأهمية طبيعة المجتمع والتركيبة السكانية, بالإضافة إلى مشاركة المرأة في هذه التجربة ناخبة ومرشحة وتمكنها من شغل مقاعد في المجلس في كل تجربة سواء بالفوز أو بالتعيين, واتاحة المجال أمام كافة فئات الشعب للمشاركة في هذه العملية الديمقراطية ممن تنطبق عليه شروط الترشح, وأكثر ما ميّز التجربة الإماراتية هو الاستفادة من تجارب دول أخرى لتجنب الأخطاء التي وقعت بها تلك الدول, كما ساهمت هذه التجربة في استكمال مسيرة التنمية المستدامة, كما ساهمت في تعزيز مكانة ودور دولة الإمارات في المجتمع الدولي, حيث ساهمت هذه التجربة بشكل فاعل في تحقيق أهداف السياسة الخارجية للإمارات والمشاركة في فعاليات واجتماعات البرلمانات العربية والإقليمية والدولية, والتنسيق الدائم والمستمر بين المجلس الوطني الاتحادي والبرلمانات الأخرى حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية.