التعددية السياسية الفلسطينية

بقلم: 

التعددية السياسية: مفهوم ليبرالي ينظر إلى المجتمع على أنه متكون من روابط سياسية وغير سياسية متعددة ذات مصالح مشروعة ومتفرقة, ويذهب أصحاب هذا المفهوم إلى أن التعدد والاختلاف يحول دون تمركز الحكم ويساعد على تحقيق المشاركة وتوزع المنافع. والتعددية السياسية بالمعنى المتعارف عليه يقصد بها التعددية الحزبيةوذلك بأن يسمح النظام السياسي بقيام عدة أحزاب السياسية, ومعنى الحزب السياسي: عبارة عن مجموعة من الناس يؤمنون بأهداف سياسية وأيديولوجية مشتركة ويتمتعون بالتنظيم ويعتنقون ذات المبادئ السياسة وهدفهم الوصول إلى السلطة والمشاركة في الحكم.

جذور التعددية السياسية في فلسطين:
بدأت فكرة الأحزاب والتنظيمات السياسية الفلسطينية في البروز بعد النكبة, منذ اندماج العمل السياسي في التيار القومي العربي الذي كان يتصدر طليعة العمل السياسي آنذاك, وما رافقه من أثر بارز للعمل السياسي لأبناء الشعب الفلسطيني, إلا أن حالة التشتت والتوزع التي رافقت النكبة سواء داخل فلسطين أو في دول الجوار العربي, أعاقت الجهود الفلسطينية في قيادة العمل الوطني الفلسطيني داخلياً وخارجياً لعدم وجود جسم سياسي, على الرغم من المحاولات العديدة التي بذلتها الهيئة العربية العليا, فقد عقدت المؤتمر الفلسطيني الأول في قطاع غزة في أكتوبر 1948, وأنشأت المجلس الوطني برئاسة أمين الحسيني وشكلت حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبدالباقي.

تم التباحث على المستوى الرسمي العربي لأول مرة عام 1959 مسألة تنظيم الشعب الفلسطيني من خلال اتخاذ قراراً بإيجاد كيان رسمي, وذلك خلال أعمال الدورة (31) لمجلس جامعة الدول العربية, وبقي القرار يراوح مكانه حتى عام 1963, حيث تولى أحمد الشقيري تمثيل فلسطين في جامعة الدول العربية بدلاً من أحمد حلمي عبدالباقي نظراً لوفاته, وبدء الشقيري في العمل الحثيث والاتصال بالشعب الفلسطيني والدول الأعضاء بهدف التوصل لإقامة كيان سياسي فلسطيني لتنظيم الشعب الفلسطيني, فتم عقد المؤتمرالوطني الفلسطيني الأول في القدس في 28 مايو 1964 وأعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني, بحضور ممثلي تجمعات الشعب الفلسطيني في 2 يونيو 1964. ومنذ مطلع عام 1965 بدء الإعلان بشكل رسمي عن انطلاق وتأسيس الحركات والأحزاب السياسية الفلسطينية, استكمالاً لدورها الذي كان قائماً منذ أحداث النكبة بالعمل الفدائي, وبدأت الأحزاب والحركات والفصائل الفلسطينية بعد النكسة بالانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينيةوالانضواء تحت لوائها, مع بقاء صفة الاستقلالية لكل تنظيم لتأكد على التعددية السياسية في الحياة السياسية الفلسطينية والنظام السياسي.
المرجعية القانونية للتعددية السياسية الفلسطينية:
أكدت وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني على أن نظام الحكم في فلسطين, هو نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعايةالأغلبيةحقوقالأقليةواحترامالأقليةقراراتالأغلبية،وعلىالعدلالاجتماعيوالمساواةوعدمالتمييزفيالحقوقالعامةعلىأساسالعرقأوالدينأواللونأوبينالمرأةوالرجل،فيظلدستوريؤمنبسيادةالقانونوالقضاءالمستقلوعلىأساسالوفاءالكامللتراثفلسطينالروحيوالحضاريفيالتسامحوالتعايشالسمحبينالأديانعبرالقرون. كما جاء في البند الأول من المادة رقم (26) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 على (للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية: تشكيل الأحزاب والانضمام إليها وفقاً للقانون). وعلى الرغم مما جاء في وثيقة إعلان الاستقلال والقانون الأساسي إلا أنه حتى هذه اللحظة لا يوجد قانون للأحزاب السياسية الفلسطينية, ويتم التعامل وفقاً للقانون الأردني للأحزاب السياسية, القانون رقم (15) لسنة 1955.

الواقع الفلسطيني في ظل التعددية السياسية:
منذ أن بدأت الأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية بالتشكل على مختلف أفكارها وأيديولوجياتها وتوجهاتها (علمانية وإسلامية), والتي بمجملها امتداد طبيعي للتيار القومي العربي وجماعة الإخوان المسلمين, وتأسيساً للانطلاق والظهور الرسمي على الساحة الفلسطينية عملت الأحزاب والحركات السياسية على صياغة البرنامج السياسي والنظام الداخلي لتحدد طبيعة العمل والمهام التي من أجلها تم إنشاء هذا الحزب من حيث المبادئ والأهداف والمرتكزات, محددة الدوائر واللجان التي من خلالها يتم تنفيذ برنامج ورؤية الحزب, فهناك الدائرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والعسكرية والمرأة والعلاقات الدولية والتعبئة والتنظيم...ألخ. وحين التفحص الدقيق لكافة البرامج السياسة لكافة الأحزاب والحركات الفلسطينية بمختلف مسمياتها سنجد العديد من العوامل المشتركة سواء في الأهداف أو المبادئ أو الرؤية, فجميعها يجمع دون استثناء عن مقارعة الاحتلال وتحرير كامل التراب الفلسطيني وإعلان الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية والدفاع عن الحقوق الفلسطينية وعدم التنازل والتفريط بأي منها, وذلك من خلال العديد من الوسائل والطرق حسب متغيرات ومتطلبات المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية محلياً وإقليمياً ودولياً, فعلى الرغم من أن العمل العسكري كان في صدارة الوسائل في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية, إلا أن العمل السياسي والتحركات الدبلوماسية كانت تسير بالتوازي مع العسكري, بناءً على تنسيق مسبق بين كافة الفصائل الفلسطينية في مرحلة ما قبل السلطة الفلسطينية وإن كان هناك بعض التحفظات والملاحظات من قبل الفصائل, إلا أن  أي تحرك وأي قرار سياسي كان يتم ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

تتمتع النظم السياسية الديمقراطية البرلمانية بالتعددية السياسية والحزبية, إذ تنبع أهمية التعددية السياسة بأنها تشكل قناة للمشاركة والتعبير عن الرأي, وتأكد على الممارسة والحياة الديمقراطية, كما أنها تفتح المجال للتداول السلمي للسلطة وفقاً لأحكام القانون والنظام الانتخابي الذي يتلاءم مع النظام السياسي, كما أنها أداة من أدوات التنشئة والتجنيد السياسي, وتضفي الشرعية على نظام الحكم, وهي بمثابة صمام الأمان لمراقبة أعمال الحكومة, كما أنها تساهم في صنع القرار السياسي. وعليه نطرح التساؤل التالي, هل التعددية السياسية التي يتمتع بها النظام السياسي الفلسطيني تعددية حقيقية تؤمن بالديمقراطية وبالآخر أم أنها شكلية, وهل لهذه التعددية تأثير في عملية صنع القرار السياسي الفلسطيني؟

في النظم السياسية الديمقراطية تخضع كافة المؤسسات الرسمية التابعة للنظام السياسي للانتخابات الدورية وفق ما حدده الدستور والنظام الانتخابي بتحديد المدة الزمنية لكل استحقاق انتخابي لتجديد الشرعية القانونية والسياسية للمؤسسة الرئاسية والبرلمانية, وبما أن النظام السياسي الفلسطيني ونظام الحكم كما جاء في وثيقة إعلان الاستقلال بأنه نظام ديمقراطي برلماني, وحددته المادة الخامسة من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 على أن نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية, فالمؤسسة الرئاسية والتشريعية تخضع للانتخابات الدورية حتى تستمد شرعيتها وقانونيتها كما جاء في القانون الفلسطيني المعدل لسنة 2003 وقانون الانتخابات لسنة 2007 وذلك كل أربع سنوات وهي المدة القانونية. فقد شهدت فلسطين منذ قدوم السلطة دورتين انتخابيتين للمؤسسة الرئاسية والتشريعية, فالدورة الأولى تم إجراؤها في عام 1996 والدورة الثانية (2005 رئاسية و2006 تشريعية).

وإجابة على التساؤل السابق, فالساحة الفلسطينية تتمتع بالتعددية السياسية والحزبية منذ عقود, فهناك أكثر من ثلاثة عشر تكوين سياسي ما بين حزب وحركة مختلفة الأفكار والتوجهات والأيدولوجيات منها ما هو علماني ومنها ما هو إسلامي كما تم الإشارة سابقاً, فبالرغم من أن النظام السياسي الفلسطيني أتاح مبدأ التعددية السياسية والحزبية واتخذ من قانون الأحزاب السياسية للأردن مرجع قانوني, إلا أن حالة التعددية السياسية هذه لم ترقى لدرجة الممارسة الفعلية الحقيقية وإنما بقيت ممارسة شكلية وهو ما يمكن ملاحظته بشكل جلي بإتاحة المجال أمام الأحزاب والفصائل للتعبير عن مواقفها وآرائها وأهدافها ولكن عدم السماح لها بأن تقوى لدرجة الهيمنة, واقتصار الأمر على حزبين رئيسيين وهما فتح وحماس وهذا ناتج عن القاعدة الجماهيرية الكبيرة لكلى الفصيلين والقدرة على التأثير في الرأي العام, وما يؤكد ذلك بالممارسة الشكلية للتعددية السياسية والحزبية العديد النقاط التي يمكن إيجازها بالتالي: أولاً: الدور المحدود للفصائل الفلسطينية المنضوية ضمن منظمة التحرير الفلسطينية في صياغة القرار السياسي والتأثير على صانع القرار, ثانياً:اقتصار صنع القرار على الجهات السيادية والممثلة بالرئاسة واللجنة التنفيذية للمنظمة, ثالثاً: الغياب التاملدورية الانتخابات والتي أدت إلى انتفاء صفة الشرعية القانونية عن المؤسسة الرئاسية والتشريعية على الرغم من الدعوات المتكررة من قبل كافة الفصائل لإجراء الانتخابات مع بقاء تلك الدعوات حبيسة البيانات, رابعاً: غياب مبدأ التداول السلمي للسلطة والذي تعزز بالانقسام, خامساً: نسبية التأثير في الرأي العام من قبل الفصائل الأخرى, سادساً: عدم القدرة على تحقيق التطور والتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية, سابعاً: عدم القدرة على الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي, تاسعاً: فشل كافة الفصائل الفلسطينية في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وفشلها في تعزيز الحياة الديمقراطية والمشاركة السياسية, عاشراً: عدم وجود برنامج واستراتيجية وطنية موحدة بين كافة الفصائل للتعامل مع المتغيرات التي تحيط بالقضية الفلسطينية وبالتالي عدم وجود إجماع على تحركات القيادة والتشكيك بها وبجديتها.

وأمام هذا الواقع ما هو المطلوب لتعزيز وترسيخ التعددية السياسية والحزبية؟أولاً: ضرورة اشراك كافة الفصائل الفلسطينية في صناعة وصياغة القرار الفلسطيني, ثانياً: ضرورة الأخذ بكافة الملاحظات التي تبديها الفصائل الأخرى حول القضايا الرئيسية, ثالثاً: تعزيز مبدأ المشاركة السياسية والعملية الديمقراطية, رابعاً: الحرص على دورية الانتخابات والتأكيد على مبدأ التداول السلمي للسلطة والسماح لأي حكومة منتخبة بممارسة مهامها على أكمل وجه خلال فترتها القانونية, خامساً: صياغة برنامج واستراتيجية وطنية موحدة تُجمع عليها كافة الفصائل الفلسطينية لكافة التحركات والجهود السياسية من قبل القيادة, سادساً: مساهمة كافة الفصائل في عملية التنمية والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال تقديم الرؤى والمقترحات للحكومة والجهات الرسمية, سابعاً:القبول بالرأي والرأي الأخر وتعدد الأفكار والسماح بحرية التعبير والرأي والنشر وعدم التقليل من شأن أي فصيل مهمها كان حجمه وقوته والسماح لها بممارسة أنشطتها وفعالياتها دون اعتراض وفق القانون, ثامناً: تعزيز مبدأ المسائلة والمحاسبة والمراقبة وخضوع كافة الفصائل للقانون, تاسعاً: إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية والتأكيد على أهمية الحوار الوطني لحل الخلافات الداخلية وللتباحث حول كافة القضايا الفلسطينية وكافة التحديات التي يتعرض لها المشروع الوطني الفلسطيني.