سنة على حكومة الوفاق والانقسام مستمر

بقلم: 

منذ سنة تم الإعلان عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني, وهي أول حكومة تُشكل بعد الانقسام الذي وقع في شهر يونيو 2007, لتكون بداية لإنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية, فقد جاء تشكيل هذه الحكومة بعد أن تم التوقيع على اتفاق الشاطئ بين حركة فتح وحماس بناءً على اتفاق القاهرة وتفاهمات الدوحة, لتباشر مهامها التي نُص عليها في اتفاق القاهرة من خلال تهيئة الأجواء والظروف لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني, والدعوة لعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطيني للانعقاد, والإشراف على معاجلة القضايا والملفات والمشاكل التي أسفر عنها الانقسام, وتوحيد مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية بين شقي الوطن, والبدء في إعادة إعمار قطاع غزة, واستلام الحكومة مهامها الإدارية والقانونية وبسط السيطرة على القطاع, لاستعادة فتح معبر رفح وإنهاء الحصار.

منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة رافقها حالة من الترقب والانتظار الحذِر على الرغم من كافة المؤشرات والبيانات والتصريحات التي توحي بأهمية طي صفحة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وتوحيد الخطاب السياسي والإعلامي ونبذ الفرقة والخلاف, في ظل ما يتعرض له المشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية من تحديات ومخاطر في ظل استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ممارساتها العنصرية بمصادرة الأراضي وطرد السكان من أراضيهم وتهويد الأماكن والتغول في الاستيطان وانتهاك للمقدسات والتنكر لكافة الحقوق الفلسطينية وتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة, والضرب بعرض الحائط لكافة القوانين والقرارات والتشريعات الدولية التي تصب في صالح القضية الفلسطينية, مستغلة حالة الانقسام الفلسطيني لتمرير كافة المشاريع والمخططات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية, وذلك بالتزامن مع تشكيل حكومة إسرائيلية يمينية متشددة.

إنالتركة التي ورثتها الحكومة كانت مثقلة بالمشاكل والقضايا والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التراكمية والتي كان من المتوقع أن تبرز في أي لحظة, والتي بدأت تبرز تباعاً وكان أهمها قضية موظفي غزة, والتي مازالت سباباً رئيسياً في عدم تمكن الحكومة من بسط نفوذها وسيطرتها على قطاع غزة وتنفيذ مهامها, هذا الملف كان سباباً في تعثر اتمام المصالحة وإنهاء الانقسام, وسبباً لاستعادة المناكفات السياسية والخطاب التحريضي والتراشق والإعلامي وكيل الاتهامات, تارة بالاعتداء على وزير الصحة في أول زيارة له لقطاع غزة أثناء الحرب, وتارة بسبب التفجيرات التي تزامنت مع الذكرى العاشرة لاستشهاد ياسر عرفات واستهداف لمنازل قيادات في حركة فتح, وتارة بسبب وجود مخطط وتفاوض لفصل قطاع غزة عن باقي تراب الوطن, وتارة باتهام الحكومة بالتمييز بين الضفة وغزة وانتهاج سياسة التفرقة بين أبناء الشعب الفلسطيني, وتارة باتهام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه من يعرقل المصالحة وارتهان الحكومة لقرار الرئيس, وتارة بالممارسات والاجراءات التي تقدم عليها حماس سواء بفرض الضرائب أو برهن الشعب من أجل مصالحها الخاصة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية, وتارة باتهام الحكومة بعدم الجدية فيما تصرح به وغيرها من الاتهامات التي تنشط بين الحين الآخر, ونتيجة لكل ذلك كانالفشلحليف الحكومة وعدم تمكنها من انجاز أي من ملفات المصالحة وعدم حل لأي من المشاكل التي أفرزها الانقسام, وعدم استعادة الوحدة المؤسساتية للسلطة.

وعدم إجراء الانتخابات لاستعادة الشرعية القانونية والسياسية للمؤسسات لاستمراريتها,وعدم تمكن عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية, وبالتالي استمرار الحصار وإغلاق معبر رفح, وعدم البدء في إعادة إعمار قطاع غزة, وتدهور للوضع الاقتصادي والذي رافقه ارتفاع لنسبة البطالة والفقر وتفاقم للعديد من الأزمات والتي من أبرزها أزمة الكهرباءما زاد من معاناة الشعب في قطاع غزة.

خلال تلك السنة ونظراً لاستمرار الخلافات وتباعد وجهات النظر واتساع الفجوة بين حركة فتح وحماس من جهة, وبين حركة حماس والحكومة من جهة أخرى, وعدم التراجع خطوة للخلف من قبل حركة حماس تحديداً, سعت الفصائل الفلسطينية في مناسبات عدة لطرح العديد من الرؤى والأفكار والأوراق والمبادرات وعقد ورشات العمل والاجتماعات في مسعى لتضييق الفجوة والتوصل إلى حلول توافقية ووضع كلا الأطراف أمام مسؤولياته وتحريك عجلة المصالحة, إلا أن كافة تلك المبادرات كان عنوانها الفشل حينما كان يتم اخضاعها للدراسة والتشاور والملاحظات, نظراً لإصرار حركة حماس على حل قضية موظفي غزة السابقين كشرط لتمكين الحكومة من تنفيذ مهامها في قطاع غزة وعودة الموظفين السابقين إلى عملهم واستلام المعابر, ولم يقتصر الأمر على المبادرات الداخلية من قبل الفصائل, فقد أصدر رئيس الوزراء الفلسطيني قراراً بأن تباشر الحكومة مهامها بالتناوب بين الضفة الغربية وقطاع غزة, لتذليل العقبات والوقوف أمام كافة المشاكل لحلها, وتشكيل لجان لحصر الموظفين السابقين, وهو ما تم في شهر مارس 2015, إلا أن التعثر كان حاضراً حينما فشلت الحكومة في زيارتها لما واجهته من مضايقات من قبل حركة حماس. كما أن الجهود لم تقتصر على الداخل بل أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري طرح مبادرة حول الملفات العالقة التي تعيق تنفيذ واستكمال باقي بنود اتفاق المصالحة, فكان مضمون تلك المبادرة يتمحور حول الحكومة والموظفين والإطار القيادي لمنظمة التحرير, لكن لم يكتب لها النجاح رغم أن حركتي فتح وحماس اتفقتا على ضرورة تذليل العقبات التي تقف في طريق اتمام المصالحة, وتنفيذ وتطبيق بنود اتفاق المصالحة.

ومع مرور سنة على تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني, وحالة التوافق الخطابي السياسي والإعلامي بضرورة إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية في الكثير من المناسبات والتي كان أهمها القرار الذي اتخذ من قبل المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية .

بإنهاءالانقسامواستعادةالوحدةالوطنية,يستمر الواقع الفلسطيني كما هو دون تغير بل ويزداد سوءاً أكثر من ذي قبل, فالانقسام مازال مستمر ويتجذر يوماً بعد الآخر, وتنعدم معه حالة الثقة بين طرفي الانقسام وتزداد حالة المعاناة والتذمر والإحباط بين أفراد الشعب وفقد وانعدام الثقة بالحكومة وطرفي الانقسام وبتحركات وتصريحات باقي الفصائل, وفي حقيقة الأمر تكمن المشكلة, في مدى جدية ما يُصرح به كل فصيل سياسي تجاه كافة القضايا.

فما يصرح به إنما للاستهلاك الإعلامي والسياسي ولكسب الوقت, على أمل أن تتغيرالحسابات الإقليمية والدولية, لصالح طرف على حساب الآخر, واستغلال المعاناة والأزمات التي تعصف بالقطاع وشعبه خدمة للمصالح الخاصة.

وبعد مضي سنة من تشكيل الحكومة دون تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام,ليس المطلوب طرح مبادرات وحوارات جديدة, وإنما يتطلب من رئيس الدولة ورئيس الوزراء والفصائل الفلسطينية الوقوف أمام مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والشخصية, وتدارك خطورة ما آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة, وتسخير الأجواء والظروف لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه, وإتاحة الفرصة أمام الحكومة لتباشر مهامها على أكمل وجه وتفرض وجودها وسيطرتها على الوزارات والمؤسسات والمعابر, ليتم تحقيق المهام التي أوكلت للحكومة,لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وحماية المشروع الوطني الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة, والتصدي لكافة مخططات تصفية القضية الفلسطينية في ظل تشكيل حكومة إسرائيلية متطرفة, ولن تتحقق المصالحة طالما أنه لا يوجد قرار سياسي بذلك.