رؤوس مهددة

بقلم: 

أرقام مذهلة نشرها الاتحاد الدولي للصحافيين وحملة الشارة الدولية حول عدد الصحافيين والصحافيات الذين قتلوا خلال العام الماضي، واللافت للنظر ان( 38%) من جرائم قتل الصحافيين والصحافيات ارتكبت في آسيا،  في حين تصدرت منطقة الشرق الأوسط اكثر المناطق الخطرة للعمل الصحفي بمقتل 52 من الصحفيين تليها آسيا 32 ثم أمريكا اللاتينية 29 ثم إفريقيا جنوب الصحراء 15 و أوروبا 10، ما يؤشر على الى حجم التحديات التي يكابدها الصحافيون والصحافيات في منطقتنا من خلال تعاظم قوى استهداف الصحافيين والصحافيات والمؤسسات الاعلامية بهدف كبح جماح العمل الصحافي وتدمير امكانياته نموه وتطوره.

ان أعلان الاتحاد الدولي للصحفيين عن  قتل 118 صحفياً واعلامياً خلال عام 2014 نتيجة هجمات مقصودة أو لوقوعهم وسط تبادل لاطلاق النار أثناءعملهم، وهذا يزيد عن الخسائر البشرية في قطاع الاعلامي من السنة الماضية بـ13 ضحية. و أن هناك 17 آخرين فقدوا حياتهم نتيجة حوادث سير او كوارث طبيعية اثناء ادائهم لعملهم، يعزز الحاجة لاتخاذ اجراءات اكثر فاعلية في مواجهة هذه المخاطر.

وبحسب تقرير الاتحاد الدولي للصحفيين السنوي الرابع والعشرين، فقد سجلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ أعلى نسبة من الخسائر حيث فقد 35 اعلاميا حياتهم  فيها، مما يجعلها المنطقة الأكثر خطورة على الصحفيين والاعلاميين في العالم للعام الثاني على التوالي. وتأتي منطقة الشرق الأوسط في المرتبة الثانية مع مقتل 31 اعلاميا ، ويلي ذلك منطقة الأمريكيتين التى سجلت 26 ضحية. و من ثم أفريقيا مع 17 قتيل وأوروبا في المرتبة الاخيرة وقتل فيها 9 اعلاميين.

ولدى الاتحاد الدولي الحق حينما يؤشر الى أن هذه الإحصائيات الجديدة تبرهن خطورة أزمة السلامة المهنية للاعلاميين، ويجعل مسؤولية الحكومات لجعل حماية الصحفيين واحدة من أولوياتها. وأشار الاتحاد إلى أن عمليات قطع الروؤس علنا وبطريقة وحشية للعديد من الصحفيين بما في ذلك الصحفيين الامريكيين المستقليين جيمس فولي وستيفن سوتلوف من قبل ما يسمى بمسلحي الدولة الإسلامية نقطة تحول في موقف الحكومات لحماية وسائل الإعلام.

وتدلل الارقام والاحصائيات على ان مهنة الصحافة لا مزاح فيها، لان حياة الصحفي ستكون في مهب الريح استهدافهم المباشر خاصة الصحافيين الميدانيين، ما يستدعي من كافة النقابات والمؤسسات والاتحادات الصحافية على مستوى المنطقة التحرك الفوري والعاجل للوقوف امام هذه المخاطر وابتداع افضل الطرق والوسائل المتعلقة بضمان حماية الصحافيين وتعزيز سبل سلامتهم المهنية بما يعزز قدراتهم في مواجهة مخاطر القتل والاستهداف المباشر وغير المباشر ومنع حالة الردة الجماعية عن امتهان مهنة الصحافة.
ويعزز ذلك  ما قاله رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين جيم بوملحة: "لقد حان الوقت لاتخاذ الإجراءات  الملائمة لمواجهة التهديدات الجديدة ضد الصحفيين الذين يتم استهدافهم ليس فقط بهدف وضع حد للتدفق الحر للمعلومات، ولكن يستخدم العنف المفرط ضدهم كوسيلة ضغط للحصول على فدية كبيرة وتنازلات سياسية. ونتيجة لذلك،  تتردد بعض وسائل الإعلام في إرسال صحفيين الى مناطق النزاعات خوفاً على سلامتهم، وحتى أنها ترفض استخدام الصحفيين المستقلين المتواجدين في الميدان. وسيؤدي فقدان الحماية المهنية للعاملين الاعلاميين الى فقدان التغطية النوعية للنزاعات المسلحة،  وغياب شهود محايدين للكثير من الحروب. "

ان قتل 1048 من الصحفيين في السنوات التسع الماضية ، و قتل 624 من الصحفيين خلال السنوات الخمس الماضية بمعدل 125 سنوياً و أكثر من 2 في الأسبوع، تؤشر بصورة جلية لحجم المخاطر المحدقة بالصحافيين على  مستوى العالم، ما يجعل مواجهة هذه المخاطر مهمة رئيسية لكل المؤسسات الدولية والاقليمية والمحلية العاملة في مجال حقوق الانسان، دون اعفاء مسؤولية الدول عن القيام بواجباتها تجاه تعزيز حماية الصحافيين ودعم واسناد برامج سلامتهم المهنية من خلال رصد موازنات مالية مخصصة لهذا الغرض، اضافة الى المسؤولية عن ضمان تعويض عائلاتهم وذويهم جراء هذه الخسائر الفادحة التي يدفعها الصحافيون والصحافيات على مستوى العالم.

ان تداعيات الجرائم والانتهاكات بحق الصحافيين على مستوى العالم تدلل بصراحة على عجز وفشل المؤسسات الدولية اولا في ملاحقة قتلة الصحافيين وضمان عدم افلاتهم من العقاب، وتؤكد قصور الاجراءات والسياسات التي تضمن حمايتهم على مستوى المؤسسات الاعلامية او على مستوى مؤسسات الدول، ما يتطلب المباشرة بقيادة حوارات ونقاشات على مستوى قيادات العمل الصحافي في العالم من اجل اتخاذ اجراءات وسياسات واضحة للتعامل مع هذه المخاطر التي تهدد اولا حياة الصحافيين وتهدد مستقبل مهنة الصحافة وتهدد حق الناس في الحصول على المعلومات، لصالح مراكز قوى سياسية وامنية واقتصادية ودينية تسعى بكل طاقاتها من اجل اخفاء الحقائق وتغيبها عن عامة الناس في العالم.

ولمواجهة هذه المخاطر المحدقة بالصحافيين فان المسؤولية تحتم على جميع الصحافيين والصحافيات والمؤسسات الاعلامية والاتحادات والنقابات الصحافية على مستوى العالم اتخاذ اجراءات وخطوات عملية باتجاه مواجهة هذا الخطر وملاحقة قتلة الصحافيين، من خلال تعزيز التضامن بين الصحافيين مع انفسهم اولا، ورسم سياسات واضحة من قبل المؤسسات الاعلامية للتعامل مع المخاطر واطلاق حملات دولية لهز العالم وتذكيره بحجم المخاطر التي يتكبدها الصحافيين والصحافيات، بما في ذلك بحث امكانية تسويد شاشات التلفزة والصحف والمواقع الالكترونية في اليوم العالمي لحرية الصحافة في ايار المقبل ، اضافة الى ممارسة اقصى الضغوط على الدول والحكومات لاقرار موازنات مالية لتوفير سبل حماية الصحافيين والصحافيات وتعزيز قدراتهم ومهاراتهم في مجال سلامتهم المهنية .