أخيراً: السلطة الفلسطينية في غزة!

بقلم: 

يبدو أن "حماس" التي اتبعت المثل الذي يقول "العيار اللي ما بيصيب بيدوش" قد نجحت أخيراً في دفع السلطة الفلسطينية للتقدم خطوة إلى الأمام باتجاه ملفي غزة والمصالحة، وذلك بعد أن قامت بالتلويح بورقة التحالف مع العضو القيادي المفصول من حركة فتح، عضو المجلس التشريعي العقيد الأمني السابق، ومسؤول الأمن الوقائي الأسبق محمد دحلان، فقد أعلنت الحكومة عن اجتماع في غزة يوم الأحد القادم، ربما ليس بكامل أعضائها، ولكن ليس هذا المهم، فالذي يبدو أكثر أهمية هو الإعلان عن تشكيل لجنة لإدارة المعابر برئاسة وزير الشؤون المدنية الأخ حسين الشيخ، في الوقت الذي ترافق هذان الإعلانان فيه مع فتح معبر رفح لمدة ثلاثة أيام، فيما تشاع هناك أقاويل عن فتح المعبر ابتداء من الأحد القادم، وربما بشكل طبيعي ودائم، خاصة مع الإعلان المصري عن الانتهاء تماماً من التداخل الأمني الحدودي مع غزة، بتدمير كافة الأنفاق والانتهاء من تسوية مسافة الخمسمائة متر داخل رفح المصرية.
هكذا لاحت بارقة الأمل مجدداً، بما سمح للفصائل التي تحلت بالمسؤولية العالية في قطاع غزة، بجمع حركتي فتح وحماس لطي صفحة التوتر التي حدثت خلال الأسابيع الماضية، استعداداً لفترة قد تكون حرجة للغاية تنتظر الكل الفلسطيني على وقع الانتخابات الإسرائيلية التي دخلت مرحلة الصراع الفعلي على وجهة إسرائيل فيما بعد التأسيس، ببدء إعلان الكتل والأحزاب الإسرائيلية عن برامجها، في الوقت الذي بدأ فيه العد التنازلي لتقديم المشروع الفلسطيني/ العربي لمجلس الأمن.
على غير ما كانت عليه الصورة الحزبية داخل إسرائيل قبل وقت قصير من تبكير موعد انتخابات الكنيست العشرين، تتصاعد حظوظ الوسط واليسار الإسرائيلي في إحداث المفاجأة والانقلاب داخل إسرائيل، وهذا أمر مهم جداً، ولكن دونه نحو ثلاثة أشهر للوصول إلى ذلك الموعد، حيث قد يضطر اليمين المتطرف الحاكم الآن إلى الإقدام على شن حرب ولو محدودة على غزة، أو على القدس، لتجنب خسارته الانتخابات، وقد ظهرت رغبة هذا اليمين قبل يومين في توغل قواته شرق خانيونس والاشتباك مع المقاومة الفلسطينية.
كذلك فإنه قد يترتب على نجاح القيادة الفلسطينية في التقدم لمجلس الأمن بمشروع القرار الذي يطالب المجلس بتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين، في حدوث مواجهة "كسر عظم" بين الجانب الفلسطيني من جهة، وإسرائيل وأميركا من جهة أخرى، وقد يصل الأمر إلى حد قطع كل أشكال العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، وحتى إلى حد إجبار إسرائيل على تحمل مسؤولياتها كاحتلال عن الضفة والقدس، أي إلى حد استقالة السلطة والكف عن تولي مهامها المحدودة في الضفة المحتلة والقدس المحتلة، وما يتبع ذلك من عقوبات سياسية ومالية إسرائيلية/ أميركية، وبذلك فإن المشروع الوطني الفلسطيني سيجد ملاذه الأخير في غزة المحررة من الاحتلال.
يمكن القول إنه بعد انتفاضة سبع سنوات وبعد عشرين عاماً على تأسيس السلطة كمشروع دولة فلسطينية تقوم على أنقاض الاحتلال وبعد إنهائه، لم يحقق الفلسطينيون كامل أهدافهم، لكنهم أيضا لم يستسلموا، ونجحوا في طرد الاحتلال بالكامل من داخل قطاع غزة، وبذلك فإن قطاع غزة بات ثمرة كفاح طويل، لا بد من الحفاظ عليه، والتشبث به، ولا يجوز أن نقول إما كل شيء أو لا شيء، فحتى لو أعلنت السلطة حل نفسها، فإن ذلك لا يشمل قطاع غزة، الذي صار وراء ظهر الاحتلال الإسرائيلي ولا يمكنه مجرد التفكير بالعودة لاحتلاله، ولهذا فإن قطاع غزة، يجب أن يحافظ عليه باعتبار انه تحرر نتيجة الكفاح الوطني طويل الأمد، هذا أولاً، وثانياً على انه، أي قطاع غزة، لكل الفلسطينيين، لفتح وحماس وجميع القوى، ثم ثالثاً يجب العمل على أن يتم إعداده وتنميته حتى يصبح "هانوي" الفلسطينيين، رافعة تحرير كامل التراب الوطني.
في لحظة قطع واشنطن الطريق على القرار الأممي، يمكن للسلطة أن تعلن خروجها من إدارة الضفة الغربية، وان تطالب المنظمة الدولية وكل الدول الأعضاء فيها بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، وان هذه الدولة، تسيطر _ فقط _ على قطاع غزة، وتطالب بإنهاء الاحتلال مما تبقى من أراضي دولتها المحتلة.
وهنا بالطبع، يمكن لدولة فلسطين المحتلة معظم أراضيها أن تدير كفاحها الوطني من قطاع غزة، كما كانت تفعل م.ت.ف من بيروت مثلا، وبالقطع فإن إدارة ديمقراطية وجماعية لغزة، لا يمكنها فقط أن تحقق النمو والاستقرار للقطاع وحسب، ولكن ان تحقق إقامة جبهة وطنية _ إسلامية عريضة لإدارة الكفاح من أجل تحرير الضفة والقدس.
بقي أن نشير إلى أن تفاصيل الأسابيع الأخيرة أشارت إلى أن الأمور قد نضجت داخلياً، إلى حد بعيد لإقامة هذه الشراكة الكفاحية، فبعد الاشتباك مع الاحتلال شرق خانيونس دعت "حماس" بنفسها الفصائل للبحث في كيفية مواجهة العدوان، وهذا يفتح الباب واسعاً، لإقامة قيادة موحدة لمجموعات المقاومة، فيما يمكن لحكومة التوافق _ فوراً، أن تسيطر على أجهزة الأمن الداخلي، وبعد قرار المحكمة الأوروبية نزع صفة الإرهاب عن "حماس" بات ممكنا دمج موظفي غزة ضمن لوائح السلطة، بمن فيهم موظفو الشرطة وأجهزة الأمن الداخلي، فيما يكون حال القسام كما هو حال سرايا القدس وكتائب الأقصى، ويمكن ضبط التناغم من خلال قيادة "كفاح مسلح" مع قيادة الأمن الوطني أو حتى مع رئاسة الحكومة أو رئاسة السلطة، المهم أن يتم التوافق الداخلي والاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ليس فقط فيما يخص مشروع قرار مجلس الأمن ولكن فيما ستقدم عليه القيادة الفلسطينية من ترتيبات داخلية لمواجهة استحقاق مرحلة جديدة، يمكن وصفها بكل وضوح وبساطة بأنها مرحلة ما بعد أوسلو!

المصدر: 
الأيام