نعم .. لتأجيل التقدم بالمشروع الفلسطيني إلى مجلس الأمن !

بقلم: 

حتى عندما يصيب، فإنه يقع في الخطأ من جديد، والحديث يدور عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فبعد أيام من عيد الأضحى وبعد عودته من مؤتمر الدول المانحة في القاهرة، صرح كيري أمام جمع من المدعوين للاحتفال بعيد الأضحى في وزارة الخارجية، داعياً إلى استئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، باعتبار ذلك إحدى وسائل المواجهة مع "داعش"! أصاب كيري عندما وضع هذا الرابط بين عدم إنجاز تسوية للقضية الفلسطينية بقيام دولة فلسطينية، وفتح الباب أمام قوى ظلامية للمتاجرة بأقدس القضايا وهي قضية فلسطين، هذه القوى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتخذ من القضية الفلسطينية مبرراً لإنجاز سياساتها الخاصة، فقد تاجرت المنظومة العربية طويلاً بقضية العرب الأولى، قضية فلسطين، فشل سياسات الدول العربية، من الحريات إلى تراجع الاقتصاد والتنمية، كان بسبب هذه القضية، قمع حريات المواطنين، كان يعود للأمن القومي العربي، رغم ذلك، فقد تبين أن الأمر لم يتجاوز المتاجرة بأنبل القضايا وأقدسها، وان الأنظمة رسخت أقدامها بفضل هذه المتاجرة ليس إلاّ.

مع ذلك، فإن الربط بين تسوية القضية الفلسطينية والحرب على الإرهاب، له ما يبرره لجهة إعادة الاعتبار لقضية فلسطين باعتبارها جوهر ما تمر به المنطقة، وان التوصل إلى دولة فلسطينية مستقلة ينزع أحد أهم مبررات المتاجرة بهذه القضية، من هنا فإن جون كيري أصاب في هذا الربط، مع أنه لا يقصد بالتأكيد ما ذهبنا إليه من تفسير لهذا الربط!

وأخطأ كيري حيث أصاب، ذلك أن التوصل إلى تسوية سياسية مرضية للفلسطينيين لا تمر بالضرورة عبر مفاوضات ثنائية برعاية أميركية، كما يطالب كيري، خاصة بعد أن حاول هو وأسلافه من وزراء الخارجية، دون جدوى التحرك نحو تسوية فعلية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي. إصرار جون كيري على المفاوضات المشار إليها، يتجاوز الخطأ إلى "الجنون" ذلك أنه يحاول أن "يجرب المجرب" كما يقول المثل العربي.

ويصر جون كيري على الخطأ، ضاغطاً بكل قوة على القيادة الفلسطينية من أجل التسليم بخيار المفاوضات على الطريقة الأميركية ـ الإسرائيلية، يحاول بكل جهد وكل وسائل الضغط، ومن بينها تجنيد أنظمة عربية على هذا المسعى، من أجل "اعتراض" المشروع الفلسطيني إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية وفقاً لبرنامج زمني واضح، يقال إن كيري طالب على الأقل بتأجيل طرح هذا المشروع إلى ما بعد الانتخابات التشريعية الأميركية النصفية الشهر القادم، منعاً لإحراج إدارة أوباما والحزب الديمقراطي، بالتوازي بين الضغط وبين التهديد المعلن باستخدام حق النقض وإفشال المشروع الفلسطيني.

القيادة الفلسطينية لا تزال مصرة على التقدم بالمشروع إلى مجلس الأمن بداية الشهر القادم، بعدما نجحت في الحصول على تسعة أصوات مؤيدة للمشروع، مع جهد يقوم به وزير الخارجية المالكي لإقناع عدد أكبر من الأعضاء الدائمين وغير الدائمين للتصويت لصالح المشروع، ويقال على سبيل الخطأ، بأن تسعة أصوات من خمسة عشر صوتاً، مطلوبة لتأييد وإنجاح المشروع، وهذا غير صحيح، في القضايا ذات "البعد الإجرائي"، الأمر يتطلب تسعة أصوات، لكن في القضايا الجوهرية، مثل قرار بإنهاء الاحتلال متضمناً البند السابع، فإن موافقة كافة الأعضاء الدائمين مطلوبة لتمرير المشروع إلى قرار، ولا نعتقد أن الأمر خاف عن القيادة الفلسطينية، التي تحاول المناورة لجمع أكبر قوة لتأييد المشروع الفلسطيني، حتى لو أفشله الفيتو الأميركي، وربما تراهن القيادة الفلسطينية، على أن اتساع التأييد في مجلس الأمن للمشروع ربما يشكل ضاغطاً على إدارة أوباما، كي لا تستخدم حق النقض، بل تمتنع عن التصويت، بما يجعل المشروع قراراً، مع أن هذا الرهان مستبعد إلى حد كبير.

وإذا وصلت القيادة الفلسطينية إلى أن واشنطن ستستخدم حق النقض على المشروع الفلسطيني، وان القيادة تهدف إلى توسيع اطار الدول المساندة لمشروعها حتى لو فشلت في إقراره، فإن أمر تأجيل التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن لاستصدار مثل هذا القرار له ما يبرره.. لماذا؟

في ظل مجلس الأمن الحالي، هناك سبعة أصوات لصالح المشروع، روسيا والصين والأردن ونيجيريا وتشاد وتشيلي والأرجنتين. غير أن خارطة عضوية مجلس الأمن قد تغيرت قبل أيام، وتم انتخاب خمس دول جديدة كأعضاء غير دائمة العضوية في المجلس، تبدأ مع الأول من الشهر الأول للعام 2015، وحسب تصويت الجمعية العامة بهذا الصدد فقد فازت كل من فنزويلا وماليزيا وانجولا واسبانيا ونيوزيلندة، بالمقاعد الخمسة بديلاً عن : رواندا والأرجنتين وكوريا الجنوبية واستراليا ولوكسمبورغ، وبحسبة بسيطة، فإننا خسرنا الأرجنتين، لكن كسبنا 4 دول، وربما خمسا إذا ما عرفنا أن اسبانيا، بدأت تتحدث عن تكرار تجربة مجلس العموم البريطاني حول الاقتراع لدعم دولة فلسطين، في حال التأجيل، يمكن للمشروع الفلسطيني، أن يحوز على قرابة 10ـ11 صوتاً، بديلاً عن سبعة في الوضع الحالي، هذا لا يعني أن مشروع القرار يمكن تمريره، ونحن مع هذا التوجه فقط في حال كان الموقف الفلسطيني، الذي لا يراهن على تراجع الموقف الأميركي باستخدام "الفيتو" وان الجانب الفلسطيني يريد أن يؤكد على أن المجتمع الدولي الرسمي، إضافة على الرأي العام العالمي، بات أكثر تأييداً للموقف الفلسطيني، فإن تأجيل التقدم بالمشروع الفلسطيني إلى مجلس الأمن، يصبح أكثر فاعلية وليس استناداً إلى الضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية!!

المصدر: 
الأيام