مفاجأة القيادة الفلسطينية
في حواره مع فضائية "صدى البلد"، قال إنّه يرجو أنّ يتضح وجود الاصطفاف الوطني خلف قيادته في غزة؛ مقتنعا أنّ "الشعب مع الشرعية"، مستشهداً باحتفال انطلاقة "فتح" في غزة العام الماضي، وأنّ الشعب يريد إنهاء الانقسام. لم يحظ هذا التقييم من قبل الرئيس محمود عبّاس بتوقف كبير، على أهميته في توضيح قراءة الرئيس لمدى قوته شعبيّاً. ولكن الاهتمام انصبّ على قوله إنّه بعد اجتماع "القيادة الفلسطينية"، وبعد أسبوع، سيقدم ردا ليس على ما يجري في حرب غزة وحسب، بل وفيما يتعلق بالرفض الإسرائيلي لكل مسألة الدولة الفلسطينية.
حديث الرئيس عبّاس لا يتعلق إذن بقطاع غزة حصراً وما يحدث هناك، بل وبمجمل الوضع الفلسطيني. وهو ما قد يبدو مستغرباً من حيث فتح ملفات واسعة فيما الحرب دائرة، والمفاوضات لإنهائها قائمة. ولكن قد يحدث أيضاً أن تَحدُث هدنة عبر اتفاق مرحلي، وبالتالي تصبح أي خطط مطروحة (إذا تحقق ذلك) جزءا من توسعة بحث القضية الفلسطينية والمفاوضات. ومن غير المستبعد، ومن الممكن أن يتم توافق فلسطيني على شيء من هذا القبيل.
على أنّ هناك نقطتين تستحقان التوقف. أولاهما، هل بالضرورة ستطرح القيادة الفلسطينية شيئاً فعليّاً مفاجئاً؟ ثم، ما هي طبيعة ما سيُطرح؟
في نهاية العام 2011، كان الحديث عن قرارات كبرى سيتم اتخاذها فلسطينياً. ووقتها، في حديث لتلفزيون "بي. بي. سي"، أكد الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أن السلطة الفلسطينية بصدد اتخاذ قرارات مهمة وخطيرة وكبيرة في المرحلة المقبلة إذا ما استمرت إسرائيل في سياستها الاستيطانية، وإذا ما استمرت اللجنة الرباعية الدولية في عجزها عن استئناف عملية السلام. وقال حينها إنّ القرار الفلسطيني المتوقع سيغير وجه المنطقة والشرق الأوسط بأسره.
عمليّاً، لم يحدث حينها شيء بهذا الحجم. ولكن الأهم من هذا في تحليل ما قد يحدث هذه المرة، إذا طرح شيء فعلي، هو ما يمكن استشفافه من حديث الرئيس عبّاس نفسه. فهو يتحدث عن تصوّر يحتاج موافقة الولايات المتحدة الأميركية والإسرائيليين، وهو طرح سياسي ودبلوماسي.
والسؤال الذي يبرز هنا هو: هل يمكن لأي طرح سياسي ودبلوماسي، مهما كان، أن يؤدي إلى فرق حقيقي في المشهد القائم، وأن يغير من المواقف الفعلية على الأرض؟ فلا المبادرة العربية للسلام العام 2002، التي بدأتها السعودية؛ ولا الذهاب للأمم المتحدة للحصول على عضوية دائمة، غيرا من قواعد اللعبة حَقّاً، ولا حتى عضوية منظمات دولية.
ربما يكون المنطقي انتظار الأيام المقلبة لمعرفة المقصود بحديث الرئيس الفلسطيني. ولكن في الواقع، ربما يكون هناك سؤال يبدو فرعيّاً، ولكنه أكثر أهميّة من كل الأسئلة.
يؤكد الرئيس عبّاس أنّ الخطوة المرتقبة "المفاجئة لن تكون إعلان الحرب على الكيان الصهيوني، بل ستكون حلا سياسيا". ولكن على أرض الواقع، هناك قوى غير القيادة الرسمية هي التي تأخذ قرار الهدنة والتصعيد، أي قرار الحرب. ومن هنا، فإنّ السؤال المحوري، هو: ما المقصود باجتماع القيادة الذي تحدث عنه الرئيس عبّاس؛ أي من الذين ستشملهم القيادة؟
سيكون حدثاً محوريّاً ومهمّاً إذا كان المقصود باجتماع القيادة، هو اجتماع القيادة الموسّعة، أي التي تشمل فصائل مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، إلى جانب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، و"فتح". أي بكلمات أخرى، إذا كانت القوى المشاركة في وفد التهدئة والهدنة في القاهرة، هي التي ستقرر بشأن الاقتراح الذي يتحدث بشأنه الرئيس الفلسطيني؟
فإذا اتضح أن وحدة الشعب الفلسطيني وقيادته باتت واحدة من نتائج العدوان الإسرائيلي على غزة، فإنّ هذا سيكون من ضمن الخسائر الإسرائيلية، وسيعطي للعالم إحساسا أنّ قواعد اللعبة تتغير فلسطينيّاً وميدانيّاً، وأنّ هناك حراكا يستحق التوقف والتأمل. أمّا المبادرات وفق الطريقة القديمة، وضمن هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية القديمة، فإنّ أثرها سيكون محدوداً. وبالعكس، فإنّ أي قرارات من قيادة موسعة معبّرة عن القوى الفلسطينية الفاعلة بمجموعها، سيكون لها صدى كبير، حتى لو لم تتضمن اقتراحات بأفكار جديدة كبرى.