أغرب من الخيال

بقلم: 

لا تتجرأ قيادات فتح عموما على التمرد على أبو مازن. فهو يملك في مواجهتها عصا غليظة جدا: عصا نائب الرئيس. إذ هو من يمسك بيديه أمر التعيين في هذا المنصب المفترض، والكل طامع في أن يكون نائبا للرئيس. اي ان يكون الرئيس القادم بالراحة والتعيين. وأستطيع أن أعد لك عشرة من قيادات فتح يطمعون في هذا المنصب، على الأقل.
وكل واحد من هؤلاء العشرة يعلم أن أمر نائب الرئيس في يد أبو مازن. لذا فالكل يخرس مهما فعل أبو مازن، إذا استثنينا الطيراوي الذي كسر الجرة لأسباب لا نعرفها. الكل يخرس حتى لو حصلت كارثة. فالمهم أن يرضى عنه أبو مازن وأن يفوز بالمنصب.

وقد نقلت بعض المواقع الإلكترونية اليوم خبرا يقول أن أبو مازن أعلن أنه (سيربّي) اللجنة المركزية، وأنه (سيعين) مرافقه نائبا للرئيس. والحق أن الأمر يتعلق بنكتة تهديدية في ما يبدو لي. فأبو مازن يقول لهم: سأعاقبكم، وسأعين مرافقي نائبا لي. وهو يقصد أنه سيختار من يشاء، ومن يعجبه، حتى لو كان مرافقه. يعني: سأختار واحدا غيركم ومن خارجكم.
وهو يدري أن هذا التهديد سيجعلهم جميعا يرتجفون، ويصطفون لتقبيل يده. فكل منهم راغب في أن يكون هو النائب الذي يعينه أبو مازن.
بالتالي، يبدو أن الأزمة الوطنية الكبرى التي حدثت- أزمة انقطاع العلاقة التام بين الناس والسلطة، على أثر انفجار الناس في وجه الاحتلال والمستوطنين وموقف أبو مازن من هذا الانفجار- تحولت إلى قضية (نائب الرئيس) عند فتح.

بناء عليه، فنحن عالقون الآن في قضية نائب الرئيس. فتح تريد نائبا يفتح بابا لحل الأزمة، أزمة الوراثة، والأزمة الحالية. لكنها لا تستطيع أن تتفق على نائب كي تقول لأبو مازن: هذا هو النائب الذي نريده. ولو اتفقت لانتهيت القضية. لكنها لا تتفق.

لذا يجلدهم أبو مازن بالسوط على ظهورهم . يجلدهم بسوط نائب الرئيس، وهم يتألمون بصمت.

وهكذا، فثمة معركة بين الناس والمستوطنين المحتلين، ومعركة أخرى في الكواليس تتعلق بنيابة الرئيس. والقطيعة تامة بين الأمرين. الناس لا علاقة لهم بالمعركة الثانية، ولا يعرفون عنها إلا من خلال الإشاعات. وقيادات فتح ورئيسها لا علاقة لهم بالمعركة الأولى المنفجرة بين الناس والمحتلين.

يعني: نحن في وضع غريب تماما. أغرب من الخيال نفسه.