الأخ نائب الرئيس
قرار حركة "فتح" بتشكيل لجنة من قيادتها الأولى للبحث في إمكان استحداث منصب لنائب الرئيس، اتخذ خارج الأطر الرسمية الفلسطينية، مما يعكس هاجساً فتحاوياً خالصاً، مازال الغموض يلف دوافعه الحقيقة رغم كثافة التعليقات حول القرار.
لم يوضح القرار عن أي نائب يتم الحديث، هل هو لرئيس فتح، أم لرئيس السلطة الفلسطينية، أم لمنظمة التحرير، أم لدولة فلسطين، أم لهذه كلها باعتبار أن الرئيس عباس يجمع بين يديه هذه المناصب كافة في نظام سياسي فلسطيني اتسم بميوعة الفوارق والحدود بين مؤسساته المختلفة، واتسم، لذلك، بهشاشة كبيرة، تعرضه بين فترة وأخرى لهزات سياسية واستحقاقات يعجز عن مواجهة تداعياتها.
تجربة "سلطة الرأسين" في النظام السياسي الفلسطيني تجربة فاشلة. فالرئيس عرفات بقي يجمع بين يديه سلطات واسعة، بما فيها لاحقاً رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حكومتها. وعندما انصاع للضغوط الأميركية والأوروبية
ووافق على استحداث منصب لرئيس الحكومة، منفصل عن رئيس السلطة، نهاية العام 2002 ومطلع العام 2003، وجد المجلس التشريعي نفسه آنذاك (وكان في غالبيته الساحقة من "فتح") في مأزق غير معهود حين حاول أن يرسم صلاحيات مؤسسة الرئاسة (أي عرفات) ومؤسسة رئاسة الحكومة (والتي كان المرشح الوحيد لتوليها هو محمود عباس). ورغم أن المجلس التشريعي حاول أن يدوّر الزوايا، في عبارات غامضة، فإن هذا "التدوير" سرعان ما انفجر ألغاماً، بعد مئة يوم على تولي عباس رئاسة الحكومة، أطاحته، على وقع تظاهرات لشبيبة "فتح" نعتته بكرزاي فلسطين. والغريب أن المرشح الوحيد من "فتح" لخلافة عرفات، بعد رحيله عام 2004، كان هو نفسه "كرازي فلسطين" الذي تحول عبر الإعلام الفتحاوي القائد الرمز، لعموم الحالة الفلسطينية.
وعندما كُلف أحمد قريع بتولي أول حكومة في عهد الرئيس عباس، اصطدم الرجلان عند القضايا ذاتها التي اصطدم عندها من قبل عرفات وعباس، ما دفع قريع لمخاطبة الأخير بالقول "لا تفعل معي ما كان يفعله معك أبو عمار".
الانتخابات التشريعية عام 2006 شكلت منعطفاً جديداً في الحالة الفلسطينية؛ قاد إلى إفقاد "فتح" موقعها الأول في الترتيب الفلسطيني لمصلحة حركة "حماس" التي تولت، بموجب ذاك التطور المهم، رئاسة الحكومة، ولم تخفِ طموحها اللاحق في رئاستي السلطة واللجنة التنفيذية في مؤتمر صحافي عقده في دمشق رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل. وتكرست بذلك صيغة جديدة لسلطة الرأسين، أفقدت "فتح" أحد هذين المنصبين وأدخلت الحالة الفلسطينية في مسيرة شائكة، سرعان ما انفجرت في 14/6/2007، لتنتقل من سلطة الرأسين إلى نظام السلطتين، واحدة في غزة وأخرى في الضفة.
مصادر "فتح" ترسم صفات نائب الرئيس، فتقول: يجب أن يكون مؤمناً ببرنامج "فتح"، ومساعداً للرئيس ومكملاً له، وليس منافساً أو مناكفاً. هذه الصفات، لا تنطبق على كل أعضاء اللجنة المركزية لـ"فتح"، خاصة في صفته الثالثة. ولعل الأوضاع التي تعيشها "فتح"، إن في المناطق الفلسطينية أو في الخارج، توحي وكأن شيئاً فيها لا يسير بشكل حسن، خاصة في ظل اعتراف قادتها بأن محمد دحلان، المفصول منها بقرار من عباس شخصياً، بات يشكل خطراً على وحدة الحركة وعلى استقرارها، ما يدعونا للتخمين (مجرد تخمين) بأن نائب الرئيس، ستنصب مهماته الرئيسية على معالجة الوضع الداخلي للحركة عشية انعقاد مؤتمرها السابع خلال الأشهر المقبلة.