مخطط إسرائيلي لجذب يهود فرنسا

بقلم: 

وضعت المؤسسة الإسرائيلية مؤخراً خطة لثلاث سنوات قادمة، بهدف مضاعفة أعداد المهاجرين اليهود من فرنسا إلى فلسطين المحتلة، بحيث يتم جذب 6 آلاف مهاجر يهودي فرنسي في عام 2014، ومن ثم تقوم المؤسسات الإسرائيلية بتهيئة الظروف، لاستقطاب 12 ألف خلال عام 2015، وبعد ذلك 24 ألف في عام 2016، هذا مع العلم انه تمّ هجرة ثلاثة آلاف يهودي فرنسي فقط إلى فلسطين المحتلة، خلال عام 2013.
وعند استعراض تطور وجود اليهود في فرنسا، نجد أن عددهم لم يتجاوز عند قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 أربعين ألف يهودي، من أصل 26 مليون فرنسي. وفي عام 1810، أي بعد الثورة الفرنسية التي منحتهم حقوقاً متساوية مع بقية الفرنسيين ارتفع عددهم إلى 46583 يهوديا. وحسب إحصائية صدرت من الجالية اليهودية، فإن 115 ألف يهودي قد جاؤوا إلى فرنسا، بين عام 1880 و1939، إذ وصل 30 ألف يهودي بين 1881-1914، و85 ألفا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فأصبح عددهم في عام 1939 270 ألف يهودي. وتشير دراسات مختلفة الى ارتفاع مجموع يهود فرنسا الى 700 الف يهودي حتى عام 2013.
وبالعودة الى خطة جذب يهود فرنسا، فإنها تطرح أسئلة عديدة، في المقدمة منها؛ هل هناك عوامل طاردة ليهود فرنسا من بلدهم الأم فرنسا، وكذلك ما هي حقيقة العوامل الجاذبة باتجاه فلسطين المحتلة .
قبل الإجابة عن تلك التساؤلات، لا بد من الإشارة إلى ان الهجرة اليهودية إلى فلسطين تعتبر من الركائز الأساسية لتحقيق الأهداف المتقدمة للحركة الصهيونية وإسرائيل، فمنذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال السويسرية في آب 1897، بدأت الخطوات العملية لاجتذاب مهاجرين يهود من دول العالم إلى فلسطين، وقد استغلت الحركة الصهيونية تحالفاتها والظروف الدولية من أجل ذلك، واستطاعت جذب نحو (650) ألف مهاجر يهودي حتى الخامس عشر من أيار من عام 1948، وبعد إنشائها في العام المذكور، عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة جاهدة لاجتذاب مهاجرين جدد من يهود العالم، فاستطاعت جذب نحو ستة ملايين يهودي خلال الفترة (1948 ـ 2013)، بيد أنه هاجر من فلسطين المحتلة نحو (20 ) في المائة منهم نتيجة عدم قدرتهم على التلاؤم مع البيئة الجديدة، وكانت الفترة الممتدة من عام 1990 إلى عام 2000 قياسية في أرقام الهجرة حيث هاجر خلالها نحو مليون يهودي من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى الأراضي العربية المحتلة، وتشير بيانات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي ان عدد المهاجرين في السنة وصل الى أكثر من 76 ألفاً حتى عشية الانتفاضة، تراجع الرقم إلى ادنى من خمسة عشر ألفاً بفعل تراجع عوامل الجذب الاقتصادية والأمنية في نهاية عام 2003، ثم تراجع ميزان الهجرة بسبب ازدياد الهجرة المعاكسة من فلسطين المحتلة خلال الفترة الممتدة من عام 2004 وحتى عام 2013 . الأمر الذي أدى إلى وضع سياسات إسرائيلية لجذب قسم من يهود فرنسا والأرجنتين بعد شح الهجرة من دول الاتحاد السوفيتي السابق، وفي هذا السياق تندرج خطة المؤسسة الإسرائيلية مؤخراً، لجهة حث يهود فرنسا للهجرة إلى الأراضي العربية المحتلة عوضاً عن السفر إلى دول أوروبا وأميريكا. وتسعى المؤسسة الإسرائيلية لجذب مزيد من يهود فرنسا، من خلال الوعود بعطاءات مالية كبيرة، فضلاً عن الإيحاء ليهود فرنسا، بأنهم سيتعرضون لاعتداءات مستقبلية.
تعتبر الجالية اليهودية في فرنسا من أكبر الجاليات اليهودية في أوروبا وأكثرها نفوذاً على الإطلاق، حيث يصل مجموع أفرادها إلى (700) ألف، ينحدر (60) في المئة منها من أصول مغاربية، ولها نفوذ في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
هذا فضلاً عن كون أبنائها يتبؤون مراتب عليا في الدولة والمجتمع في الجامعات الفرنسية، وفي مجالات العلوم التطبيقية، وكذلك العلوم الإنسانية.
وفي المجال الاقتصادي فإن القسم الأكبر من العمالة بين اليهود تتركز في قطاع الخدمات، والأعمال التجارية مثل السوبر ماركيتات الضخمة، وتصميم الأزياء وفي الاعلانات وقطاع الاعلام الفرنسي حيث يلاحظ نفوذ يهودي في وسائل الإعلام المختلفة، خاصة الدوريات والصحف الهامة والفضائيات، ولرأس المال اليهودي المنظم دور في ذلك، حيث يوجد في فرنسا مئة جمعية يهودية .
إضافة إلى ذلك فان سر نفوذ اللوبي اليهودي في فرنسا يكمن في تعدد المنظمات اليهودية المنتشرة في فرنسا وأهدافها المتقاطعة مع اليمين الإسرائيلي، وكذلك في رأس المال اليهودي المنظم، والداعم مادياً ومعنوياً لإسرائيل، حيث يقوم الشباب اليهودي في فرنسا بأداء الخدمة العسكرية في إسرائيل لفترة محددة، ثم يعودون الى بلد المنشأ.
لكن على الرغم من مواقف اليهود الفرنسيين إلى جانب إسرائيل وسياستها التعسفية، تبرز أسئلة عديدة حول إمكانية هجرة يهود فرنسا الى الأراضي العربية المحتلة، وكل الدلائل تشير إلى عدم قدرة إسرائيل على جذب المزيد من يهود فرنسا، خاصة في ظل عدم وجود عوامل طاردة لليهود من فرنسا في ظل ديموقراطية فرنسية مشهود لها من جهة، وكذلك عوامل الجذب الاقتصادي والرفاه الاجتماعي هناك مقارنة مع إسرائيل، وقد تكون بعض الدول الأوروبية أكثر جاذبية ليهود فرنسا من إسرائيل في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، وثمة أنباء خلال الأشهر القليلة الماضية عن هجرة المئات من يهود فرنسا إلى دول أوروبا المتطورة، مما استدعى ظهور خطة إسرائيلية لجذبهم .

المصدر: 
المستقبل