عندما يتشاءم محمود عباس

بقلم: 

على غير عادته، تحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في المجلس الاستشاري لحركة فتح (4/11/2012) معرباً عن تشاؤمه من المسار التفاوضي، وصعوبة الوصول مع الإسرائيليين، إلى اتفاق على أي من القضايا المدرجة على جدول الأعمال.

لا يستبعد المراقبون أن يكون تشاؤم عباس، وتخوفه من انفجار الوضع، محاولة للضغط على كيري، للتدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعدما بات البعض يصف المفاوضات بأنها عبثية وعقيمة ولن تسفر عن اتفاق لقضايا الحل الدائم، في شباط القادم، أي بعد مرور 9 أشهر على استئناف هذه المفاوضات.
كل التقديرات تلتقي عند الرأي القائل بأنه لا مصلحة لأحد في فشل هذه المفاوضات، ، ومن الطبيعي أن يعمل الأميركيون لمدها بقوة دفع جديدة. ففشل المفاوضات فشل لديبلوماسية كيري، كما أنه يهدد بتوتير العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، وزيادة توتير العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية، ما يؤدي إلى عزلة تصيب حكومة نتنياهو. ولا مصلحة للجانب الفلسطيني في فشل المفاوضات لأن انهيار المسيرة السياسية قد يدفع الجهات المانحة إلى التوقف عن التزاماتها، ما يجفف إيرادات السلطة الفلسطينية ويهدد بأزمة اقتصادية، قد تشكل مقدمة لتوترات اجتماعية وأمنية في مناطق الإدارة الذاتية للفلسطينيين.
من هنا يدور الحديث عن واجب واشنطن تدراك الأمر، والبحث عن حل للأزمة يقلل من الفجوة العميقة التي تفصل بين الطرفين عبر اتفاق، يقنع بأن المفاوضات أنجزت شيئاً ما، وأنها تسير في الاتجاه الصحيح. لذلك يبحث الأميركيون في إمكان وصول الطرفين إلى نتيجة معينة، تبدو في عيون الفلسطينيين إنجازا إيجابيا، حققته العملية التفاوضية. وتبدو، بالمقابل، في عيون الإسرائيليين، وكأن حكومة نتنياهو لم تقدم تنازلات، خاصة في ملفات الأمن والحدود. وأنها نجحت في التفلت من استحقاق الدولة الفلسطينية، لمصلحة العودة بالفلسطينيين إلى حلول جزئية، ومؤقتة، لا تشكل خطراً على المصلحة الإسرائيلية. في الوقت نفسه تظهر الولايات المتحدة في عيون المراقبين دولة ناجحة في إحداث اختراق على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية، وأنها نجحت في ردم الفجوة، وبناء عناصر ثقة بين الجانبين.
واشنطن تصف هذه السياسة بسياسة "التجسير بالكلمات". وهي طريقة تفسح في المجال لمعالجة الخلافات بطريقة يفهم منها كل طرف أنها تستجيب لمتطلباته ومواقفه. تقضي هذه السياسة أن تقدم للطرفين مكسباً في نهاية الفترة الزمنية للمفاوضات تتيح لكل منهما أن يدعي انتصاره. فيُقدم للفلسطينيين دعم مالي سخي (الحديث يدور حول 4,2 مليارات دولار) وإعادة رسم مناطق (أ) و (ب) و (ج) بنقل جزء من (ج) إلى (ب) وجزء من (ب) إلى (ج) مع مشاريع استثمارية فلسطينية في هذه المناطق، إضافة إلى إطلاق سراح الأسرى القدامى (104 أسرى).
يستند هذا الحل الذي يقوم على تقديمات جزئية بديلاً من الحل الدائم، إلى إعلان مبادئ، بين الطرفين، يطلقون عليه اسم "أوسلو 3" يحدد مبادئ الحل الدائم في صيغة عامة، تضع سلسة من الخيارات الافتراضية لكل قضية من قضايا الحل الدائم، يفهم منها كل طرف أنها تلتقي ومتطلبات الحل كما يراه هو، ويعلن الطرفان أنهما أخذا علماً بإعلان المبادئ، دون أن يلزم هذا "العلم والخبر" أياً منهما بالتزامات معينة إزاء الآخر. فتعتبر السلطة الفلسطينية أن إعلان المبادئ هذا يستجيب لمتطلبات قيام الدولة الفلسطينية (دون الاتفاق على رسم نهائي لحدودها) بما في ذلك عاصمتها القدس (دون تعريف لهذه "القدس" لا جغرافياً ولا سياسياً)، ويعتبر الجانب الإسرائيلي أن إعلان المبادئ هذا يضمن له مصالحه الأمنية دون نصوص ملزمة للجانب الفلسطيني بطبيعة هذا الإلزام.
حتى إعلان الدولة الفلسطينية بحدودها "غير النهائية" بديلاً من عبارة "حدودها المؤقتة" يمكن أن يشكل جزءاً من "الإعلان" بصيغة يفهم منها الفلسطينيون قيام حقيقي لهذه "الدولة"، ويفهم منها الإسرائيليون أن الإدارة الذاتية للسلطة الفلسطينية هي المرشحة لأن تتحول إلى دولة فلسطينية مع توسيع نسبي للمساحة المدارة من قبل هذه الدولة، دون تغيير حقيقي وفعلي للتبعية الاقتصادية القائمة بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل، ودون تعديلات جوهرية على المعابر، وفي السيادة على الأجواء والمياه الإقليمية للدولة الفلسطينية.
إعلان مبادئ، يعالج الخلافات بالكلمات الغامضة، يوحي بأن المفاوضات قد حققت أمراً ما إيجابياً، يؤسس لجولة جديدة للمفاوضات، وهو ما يعني عودة مرة أخرى إلى تجزئة الحل الدائم إلى حلول مرحلية، بعيدة زمنياً، على أن يوصف ذلك بأنه خطوة إلى الأمام.
 

المصدر: 
النهار