انتخابات المجالس ويهودية الدولة

بقلم: 

ربما من الأجدر أن لا أحاول إجراء قراءة في نتائج انتخابات مجالسنا وبلدياتنا المحلية، وإرجاء ذلك إلى ما بعد أن يهدأ الصخب وتتمكن الحياة من استعادة سيادتها وإيقاعاتها اليومية. 
في مقالي الأخير عن ‘يهودية الدولة’ كتبت عما نجحت به قيادات إسرائيل، وحولته واقعا تلح لتتويجه وتطالب العالم والعرب أولا أن يعترفوا به صاغرين، ويقبلوا أن إسرائيل ‘دولة يهودية’.’

يتشعب نشاط إسرائيل ويغطي جبهات متعددة، لا هوادة ولا أعذار. سهامهم تطير مع الريح ولا تكل. كم قلنا وقالوا إن بقاء بعض عرب فلسطين في وطنهم أفسد ‘نقاء’ حلم الصهيونية، لذلك استثمر قادة إسرائيل منذ يومها الأول مجهودات استهدفت اقتلاع من بقوا وإلحاقهم بقوافل النازحين وتحويلهم الى سكان خيم وأحلام، ومن جهة أخرى مارسوا كمية من المشاريع التي عمدت إلى إبقاء هذه الأقلية رخويات ضعيفة لن تنجح في إعمار مجتمع ذي كيان متماسك وهوية جامعة. 

في سنوات المخاض الأولى أخضعتنا الدولة لحكمها العسكري. قصص التجبر والظلم لم تردمها السنون ويحكيها طير البلاد وترابها، مراياها أجمل لأنها تريك ما لامس المعجزات من حكايا صمود وبقاء وحياة. لم يصغ الباقون إلا إلى ما قالته خوابي الزيت وما غنته العنادل؛ لا ترحلوا، ابقوا شهودا على الجرح، حراس وعد وأصحاب قضية. 

عشرون مستحيل وأكثر هي سيرة بني جليل ومثلث ونقب، تهليلة تموج وتعيد: ‘لكل فعل رد فعل/ اقرأوا ما جاء في الكتاب’، من قرأ اعتبر ومن أغفل حتما يصير صفحة من خبر. 
أنهت إسرائيل حكمها العسكري وأبطلته بعد ثمانية عشرة سنة لتستحدث وسائل جديدة تتعمد ما رسمته منذ البدايات؛ سيطرة أكثر على الأرض، تضييق أكثر على السكان لإرغامهم على الرحيل أو الخنوع، ضغوطات أكثر على الجماهير من أجل عرقلة بناء كيانها الجمعي وهويتها الوطنية الجامعة. كل الوسائل كانت مباحة.. كل مؤسسات الدولة تجندت في سبيل إنجاح ما خطط ورسم.. حاولوا لكنهم فشلوا. قيادات الجماهير العربية أبصرت المخاطر وتصدت لها بعناد وحنكة وحكمة. وحدة الجماهير كانت السلاح الذي لا يخيب. والانتماء إلى الأرض والوطن ضمانتان للصمود، عززتا سلامة المجتمع وأمنه وأعلتاه فوق كل مصلحة. 

أسراب العملاء فشلت في زرع نار الفرقة والتيئيس وما إلى ذلك من أدوار أنيطت بهم، محاولة الإبقاء وتكريس المخترة التقليدية أفشل وأحبط استغلالها كمؤسسة تفرق عائلات وتمزق شمل حارات وبلدات وطوائف. اهتدى الشيوخ والكهنة بما ساد من مناخات وطنية سليمة، بعضهم تقدم المشهد الوطني وآخرون حصروا أدوارهم داخل المعابد. لقد كان واضحا أن ما أنجزته الجماهير العربية أعيى ويعيي حكام إسرائيل، يقلقهم ويستفزهم، لا بل بدا من أهم المعوقات التي قد تفسد على القيادات اليمينية الناشئة ما تؤمن به وتعلنه تجاه أرض إسرائيل الكبرى ومكانة الفلسطينيين عليها، لا سيما مكانتنا نحن كما بدأت تتأثر وتتبلور في مجموعة القوانين التي سنت وما زالت في فرن المشرع الإسرائيلي.’

في سبيل تذليل ما يعيق تحقيق أحلامها، شرعت قيادات إسرائيل بتنفيذ سياسات بدأت منذ أكثر من عقدين بطرح جناها. نجحت بما فشل به الأوائل وأعادت لصفوف جماهيرنا منظومات من ‘العمالة المقنعة’ التي تقوم ببث ما يناط بها من مهام وأدوار. إلى ذلك نشهد خرابا خطيرا في منظومة القيم السائدة. دور بعض المفاعيل الرجعية بدأ يزحف ليحتل رأس المشهد، بينما نشهد انكفاء قوى تقدمية ونخب تتراجع ‘حتى غدا صمتها زيتًا يدار على ما يشتعل من حرائق في مطارحنا. أغرقوا بعض مؤسساتنا، بعض حركاتنا وبعض أحزابنا بأموال غدت كواتم صوت ومقصات إجهاض لكل دور وطني فاعل. مؤسسات المجتمع المدني صارت مشاغل تستوعب الأكاديميين وتحتويهم، مجموعات من الأفراد ‘اصطيدت’ بشبكة ما سمي ‘سياسة التمييز الإيجابي’ فجندوا لشركات كبيرة ومؤسسات حكومية وصاروا ‘مخلصين’.’

قلت مرارا، إننا نهرول على منزلق خطر، وإن قلاعنا نخرت وأبراجنا هدمت وتساءلت قبل شهرين ‘من يدلني على قرية أو مدينة ستُجرى فيها الانتخابات البلدية، كما جرت في تلك السبعينيات عندما كانت الحناجر تهتف ‘بالطول بالعرض…’ وتشق حجاب السماء؟ دلوني على موقع ستُخاض فيه الانتخابات على أسس حزبية سياسية قيمية عامة واضحة؟ أين لا تتحكم الطائفية والعائلية والبلطجية والسمسرة؟ أين من عيني تلكم القلاع يوم كان الفقراء، الكادحون، الشغيلة، الأحرار، المثقفون، الحرفيون الوطنيون، التقدميون، اليساريون، النساء الديمقراطيات.. يهبون قللا من حديد وفولاذ ليقودوا البلاد بكرامات تضمن الخدمات؟’ كلنا نرى ما هو حاصل وجميعنا يعرف من المستفيد من ذلك؟ حكام إسرائيل بالطبع ولكنهم ليسوا وحيدين.

جاءت معركة الانتخابات’فجرى ما جرى. رئيس حزب يصر على كونه القوة السياسية الأولى بين العرب وراعي القومية العربية في ديارنا، يسقط سقوطا مدويا في انتخابات قريته. عضو برلمان توصف بأنها صاحبة مكانة رفيعة بين جماهيرنا العربية، تفوز′بأربعة آلاف صوت في مدينتها ليتقدم عليها بمسافات منافسان. محاولات الجبهة الديمقراطية لفوز مرشحيها تعود عليها بالخيبة والحسرة والفشل المدوي فيلحق عدد جديد من المواقع بإخوته ليصبحوا في خبر كان، وهذا غيض من فيض.’
لن أسهب حول نتائج هذه الانتخابات لأنني سأفعل ذلك بروية، لكنني من بابها عدت الى تساؤلي حول ‘يهودية الدولة”هل هي واقع أم حلم؟ ما رأيك؟ 

المصدر: 
القدس العربي