اللجنة الرباعية وإحياء الميت

بقلم: 

هل هذا “تذكير” بوجودها؟ أم محاولة لاستعادة دورها؟ هذا ما أثير في شأن اجتماع اللجنة الرباعية الذي انعقد الأسبوع المنصرم على هامش اجتماع الأمم المتحدة والذي اقتصرت نتائجه على مطالبة “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية ب”إنجاح” الوساطة الأمريكية التي أعادت الطرفين إلى المفاوضات بعد توقفها قرابة ثلاث سنوات و”الامتناع” عن الأعمال الأحادية .

 

لهذه الأسئلة وغيرها في شأن الرباعية حوافزها، لأن هذه “الآلية” التي ارتبط وجودها بما عرف بخطة خارطة الطريق “عجزت” في الائتلاف في ما بينها عن ترجمة مسؤولياتها بخطوات عملية، وانحشرت من خلال مسؤولها توني بلير المعروف بانحيازه إلى “إسرائيل” وارتباطه الوثيق بالسياسة الأمريكية بمواقف سياسية أقرب إلى الابتزاز والضغوط على الفلسطينيين لحملهم على التنازل عن قضاياهم بما في ذلك المصيرية .

 

وفي المقابل كانت الرباعية في الغالب غائبة عن الجرائم الصهيونية ومن تلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تزايدت ضد الشعب الفلسطيني بصورة لافتة منذ الإعلان عن خطة خارطة الطريق ووجود الرباعية التي كانت في أحسن الأحوال تنطق بمساواة الجلاد مع الضحية في مواقف بقيت مشجعة للكيان الصهيوني في الإيغال في جرائمه والاستمرار في سياساته الرافضة لحقوق الفلسطينيين والمناهضة للحل العادل والسلام الدائم .

 

إلى هذا لم تكن خطة خارطة الطريق قد

 

تعرضت للإجهاض منذ ولادتها بما جرى من تعديلات “إسرائيلية” وبموافقة أمريكية وحسب، بل إن هذه الخطة بموضوعاتها وسقفها الزمني ولدت “اسمياً” ولم تنجز شيئاً على الإطلاق .

 

ولاستمرار هذه “الحالة” ظلت الرباعية مظلة تضليلية عن وجود دور أممي في شأن هذه الأزمة وهو دور التفافي أفضى إلى انتهاء خطة خارطة الطريق والرباعية فعلياً، وهذا ما تفصح عنه المفاوضات الجارية بين الطرفين برعاية أمريكية .

 

من الواضح أن الأحداث تجاوزت خطة خارطة الطريق، والتي وجدت كمحاولة لإحداث نقلة في التسوية الأمريكية . فما هو المستقبل إذا كانت الرباعية تعود الآن من بوابة المباركة والدعم لتلك التسوية التي تراوح مكانها منذ الانفراد الأمريكي بالأزمة وشؤون المنطقة على أساس الحل العادل والسلام الدائم وفي الأبرز منها مبادئ وقرارات الشرعية الدولية .

 

ربما كان مفيداً الإشارة إلى أن صدور بيان الرباعية عن اجتماعها في نيويورك منذ أيام قليلة تصادف مع إطلاق الكيان الصهيوني لمشروعات استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس، وترافق ذلك مع استمرار المفاوضات وحملات الإرهاب لقوات الاحتلال ضد الفلسطينيين وبخاصة في القدس، حيث تحمي هذه القوات هجمات المستوطنين على المسجد الأقصى . وهذه القوات لا تمنع الشباب الفلسطيني من الوصول إلى المسجد للصلاة وحسب بل إنها تمنع الفلسطينيين من الصلاة في شوارع المدينة وهذا يرتبط بنهج “إسرائيلي” متواصل يهدف إلى تهويد المدينة، فمن أي نوع هذه الأعمال إذا كانت الرباعية تطالب بالامتناع عن الأعمال الأحادية؟

ربما كان مفيداً القول إنه حتى عشية انعقاد اجتماع الرباعية في نيويورك كانت أطراف دولية عدة، وبخاصة الصين وروسيا قد أعلنتا بوضوح أن العودة إلى المفاوضات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية، وهذا ما فسره عدد من المراقبين بمؤشر للخروج من دوامة استهلاك الوقت التي تدور في فلكها التسوية الأمريكية التي بقيت منذ أعقاب مؤتمر مدريد للسلام مستمرة على إدارة الأزمة وبسياسة مزدوجة أفضت إلى هذه العربدة الصهيونية، وإلى البجاحة في إملاء الشروط والمطالب، وهذا ما كرره نتنياهو في الأمم المتحدة بغطرسة ومجافاة للحقيقة .

من هنا يمكن القول إن الرباعية أعيد إحياؤها في نيويورك من أجل تزكية الدور الأمريكي الذي لم يكن مرتبطاً لا بخطة خارطة الطريق ولا بمشاورات بين أعضاء الرباعية، ولهذا الموقف لا يستبعد صفقات حتمت إحياء هذا الميت واسمه “الرباعية”، والخشية أن يكون هذا على ارتباط بتصفية القضية الفلسطينية في ظل الأوضاع العربية والفلسطينية الكارثية والمأساوية .

المصدر: 
الخليج