سياقات السياسة الأوروبية تجاه حماس بين تكريس القطيعة وفرص الانفراج

بقلم: 

 

أعتقد أن الأوروبيين قد أخطاؤا عندما وضعوا حركة حماس على قائمة الحركات الإرهابية في عام 2003م، حيث إن الحركة لم تقم بأية عمليات عسكرية تستهدف المصالح الغربية في أي مكان، كما أن مجال عملها العسكري انحصر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، واقتصر على تصديها للجيش الإسرائيلي خلال عمليات الاجتياح المتكررة على القرى والبلدات الحدودية أو في الوقوف بوجه عدوانه الموسع على قطاع غزة من حينٍ لآخر، وهذا من وجهة نظر القانون الدولي هو عملٌ مشروع.. وإذا كان السبب – كما تدعي بعض الجهات الأوروبية - هو العمليات الاستشهادية التي قامت بها كتائب القسام داخل الخط الأخضر وفي مدينة القدس، فإن تلك العمليات جاءت – كما هو معروف - رداً على المجازر الدامية والممارسات القمعية لجيش الاحتلال والمستوطنين بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

إن مواقف الاتحاد الأوروبي وسياساته كانت في معظم الأحوال وبشكل عام منحازة لإسرائيل، وأن الدعم الذي تقدمه بعض دول الاتحاد للسلطة في رام الله يتم فهمه داخل الشارع الفلسطيني - أحياناً – بأنه "رشوة سياسية"، مقابل سكوت السلطة على تجاوزات الاستيطان، وللتغطية - كذلك - على فشل المفاوضات.

لقد أبدت حركة حماس الكثير من المرونة الأيدولوجية في سياق رؤيتها لحل الصراع، ولكن الطرف الإسرائيلي ظل رافضاً للتعاطي معها، كما أن الغرب - وخاصة أمريكا - ظل محرضاً على حركة حماس، كما أنه أسهم في خلق قطيعة بين فتح وحماس أدت إلى إخفاق الحكومة الحادية عشر (حكومة الوحدة الوطنية) في أداء مهامها، ودفع الجميع للسقوط في وحل الاقتتال الداخلي، وانشطار الحالة الفلسطينية بحيث تباعدت الضفة الغربية – سياسياً - عن قطاع غزة، وأصبحنا مع هذا الانقسام "حكومتان لشعب بلا وطن"..!!

في الحقيقة، كان الانتماء الإسلامي هو الباعث وراء حملات العداء والتشويه لحركة حماس؛ لأن حركات تحرر أوروبية مثل "الشين فين"؛ الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي (IRA) لم توضع على قائمة الإرهاب، وتم استقبال زعيمها جيري آدم في العديد من العواصم الأوروبية.. وفي عام 1996م استقبله الرئيس بيل كلنتون بالبيت الأبيض، فيما كان د. موسى أبو مرزوق؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، معتقلاً داخل أحد السجون الأمريكية بمدينة نيويورك.!!

لم يكن يوماً هدف العمليات الاستشهادية التي قامت بها حركة حماس هو استهداف المدنيين، حيث سبق للشيخ أحمد ياسين (رحمه الله) أن عرض على الإسرائيليين توقف الطرفين عن ذلك، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت العرض ولم توقف جرائمها وانتهاكاتها للقانون الدولي، وكان جيش الاحتلال يستهدف بطائراته ومدافعة البشر والحجر والشجر، وأن الأرقام المنشورة عن حجم الضحايا من الأطفال والنساء خلال العدوان الإسرائيلي في كانون اول 2008م، وكذلك في الحرب الأخيرة على قطاع غزة في تشرين ثاني 2012م، كافية لتعريته وكشف زيف ادعاءاته.

إن التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والمؤسسات الحقوقية أثبتت أن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب، وجرائم بحق الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، ولكن يبدو أن عيون الغرب لا تبصر آثار القتل والدمار على الجانب الفلسطيني، ولا تسمع آذانهم آهات الضحايا الفلسطينيين، ولا تشم رائحة موتاهم تحت الانقاض، حيث تسوي طائرات (F-16) مساكنهم وأحيائهم بالأرض.

إن حركة حماس والحكومة الفلسطينية قد التزمت بوقف إطلاق النار من جانب واحد أكثر من مرة، ففي عام 2003م كانت هناك هدنة وكذلك في عام 2005م، وقد غض الطرف الفلسطيني النظر عن الانتهاكات الإسرائيلية، وقدَّم المئات من الشهداء والجرحى، ولكن المؤسسة العسكرية في إسرائيل ومن خلفها بالطبع المؤسسة السياسية لم تتوقف عن ممارسة العدوان، ولم تحترم أو تلتزم حتى بما كانت قد وقعته من اتفاقية للتهدئة عام 2008م، والتي تمت بوساطة مصرية.

في الحقيقة، أن الاتحاد الأوروبي عندما وضع حركة حماس على قائمة الحركات الإرهابية كان قد قدَّم وعداً برفع الحركة عن القائمة إذا توقفت عن تلك العمليات الاستشهادية. وفعلاً فقد أوقفت الحركة عام 2004م لجوء مقاتليها لهذا النوع من العمليات، لاعتبارات لها أبعاد أخلاقية ودينية، ولكن – للأسف - أن الحركة مازالت على القائمة الدولية للإرهاب، حتى بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006م وتشكيلها لحكومة جاءت بخيار شعبي.

إن حركة حماس قد أعلنت وفي أكثر من مناسبة التزامها بالقانون الدولي، وأنها لا تستهدف المدنيين، وأن عملياتها بالدرجة الأولى موجهة لمواقع الجيش الإسرائيلي ولأجهزته الأمنية، وإذا وقعت أية إصابات بين المدنيين فهي غير مقصودة ، باعتبار أن ما تملكه المقاومة من أسلحة هي في معظمها محلية الصنع ولا تمتلك الدقة المتوافرة لدى أسلحة الجيش الإسرائيلي وطائراته. ومع ذلك، فإن حجم الضحايا من المدنيين في الطرف الفلسطيني هي (1000 مقابل واحد) في الجانب الإسرائيلي.

إن من المشين أن تقوم معظم دول الاتحاد الأوروبي بمنع وزراء حماس ونوابها من السفر إلى بلدانها، وفي أحيان كثيرة ألقت القبض على بعضهم - برغم وجود دعوات لهم من جهات ومؤسسات أوروبية - وقامت بترحيلهم بشكل مستفز وغير دبلوماسي؛ كما حدث مع د. باسم نعيم وزير الصحة في هولندا، ومع النواب إسماعيل الأشقر وصلاح البردويل ومشير المصري في بلغاريا.

بالطبع لقد أضرت سياسة المقاطعة كثيراً بحكومة حماس، وأضعفت من شرعيتها، وقطعت الطريق أمام بعض الدول الغربية من إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة في غزة، وظهر الاتحاد الأوروبي كما الولايات المتحدة أنهما يشاركان في الحصار الظالم الذي فرضته إسرائيل على الحكومة في غزة.. لقد شاهدنا بعض دول الاتحاد الأوروبي تمنع مواطنيها وسفنها من المشاركة في حملات كسر الحصار التضامنية مع الشعب الفلسطيني، وأظهرت بذلك تواطئاً مع الموقف الإسرائيلي وانحيازاً له.

فشل الغرب في امتحان شعاراته الديمقراطية

لقد أظهر الاتحاد الأوروبي بأنه فقط مع الديمقراطية التي تخدم مصالحه، وأنه يقف خلف الحكومات التي تسير في فلك سياساته.. أما الديمقراطية وحقوق الإنسان فتخضع عملية الدعم والالتزام بها لمزاجية حساباته الخاصة؛ ولقد شهدنا ذلك من خلال رفضه لنتائج الانتخابات التي جاءت بحركة حماس للحكم - برغم نزاهتها وشهادة جميع المراقبين بذلك – حيث رفض التعامل معها، وحذَّر كل من يتعاطى معها سياسياً من فصائل العمل الوطني.. وهذا يؤكد لنا غياب المصداقية في الشعارات التي يرفعها الغرب، ويعكس حالة النفاق السياسي وسياسة الكيل بمكيالين الذي يمارسونه في علاقاتهم مع الحركات والحكومات التي ترفع أو تتبنى أفكاراً ومشاريعاً إسلامية.

أعتقد أن حركة حماس ارتاحت لما صدر في عام 2005م من بعض الجهات الغربية من تصريحات حول إجراء الانتخابات في الأراضي المحتلة، ومالت الحركة إلى تصديق الشعارات التي أطلقتها بعض دول الاتحاد الأوروبي حول التعامل مع من يفوز بالانتخابات.. لقد وجدت حركة حماس أن الفرصة غدت متاحة لنيل اعترافٍ بشرعيتها، وحماية مشروعها في المقاومة بمنحه غطاءً سياسياً وقانونياً من خلال تعامل الغرب معها.

إلا أن الغرب خسر مصداقيته – بدون شك - أمام الشارعين العربي والإسلامي عندما تنكر لنتائج الانتخابات التي جاءت بحركة حماس لصدارة المشهد السياسي، حيث منحها فوزها الكاسح الحق بتشكيل الحكومة العاشرة، والتي قاطعها الغرب للأسف، متنكراً لكل المبادئ والشعارات التي رفعها حول دعمه للعملية الديمقراطية واحترامه لخيارات الشعوب ومطالبها في الحرية والاستقلال.

لقد كان الأوربيون يعتقدون – وفقاً لاستطلاعات الرأي العام - بأن حركة فتح هي التي سوف تفوز في الانتخابات، وأن حركة حماس سوف تخسرها، وحتى يقطعوا الطريق أمام حركة حماس من الاحتجاج بعدم نزاهة الانتخابات ورفض نتائجها جاء بعضهم كشاهد زور ليمنحوا اعتماد النزاهة للانتخابات، وتكذيب أية ادعاءات يمكن لحركة حماس أن ترفعها.. صحيحٌ، إن هناك لجان رقابة غربية نكن لها كل التقدير والاحترام، ونشهد بعدالة شهادتها؛ مثل مركز كارتر، لكن هناك – أيضاً - الكثير من المؤسسات الأهلية (NGOs) التي تتلقى الدعم من الحكومات الغربية وجاهزة لتقديم شهادات تفتقد المصداقية وتفتقر إلى الحيادية، وتقاريرها بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع.

إن الغرب - برغم تاريخه الاستعماري المعاصر - كان هو أول من بادر عبر مؤسسة الأمم المتحدة بإقرار حق الشعوب في الكفاح والثورة لتحرير أراضيها، ولم يضع قيداً على اللجوء للسلاح – إذا استدعت الضرورة – لتقرير مصيرها ونيل استقلالها، وقد رأينا ذلك في تاريخنا المعاصر عندما حمل الجزائريون السلاح لمقاومة المستعمر الفرنسي، والفيتناميون ضد الاستعمار الأمريكي، والسود في جنوب أفريقيا ضد سياسة الابرتهايد، والأفغان ضد الاحتلال السوفيتي.. الخ

وإذا كانت كل تلك النضالات مشروعة ونالت دعم وتأييد دول وجهات دولية مختلفة، فلماذا اليوم يتم اتهام الفلسطينيين بالإرهاب، وهم أحق الناس بالدعم والإسناد بعدما وقَّعوا على العديد من الاتفاقيات التي نقضتها إسرائيل، ولم تُسلم بما تم الاتفاق عليه في واشنطن؛ فيما عرف باتفاقية أوسلو، التي تمنح الفلسطينيين الحق في إقامة دولتهم المستقلة..؟!!

لقد مضى أكثر من عشرين عاماً على توقيع تلك الاتفاقية، إلا أن الطرف الإسرائيلي لم يحترم ما تمَّ التوقيع عليه في واشنطن في أغسطس 1993م، حيث مازال الفلسطينيون بانتظار أن ينصفهم المجتمع الدولي.

وإذا كانت الشرعية الدولية تقر بأنه لا تعارض بين الديمقراطية وحق الشعوب في الكفاح - بكافة أشكاله - لنيل استقلالها، فإن من الطبيعي عند عجز المجتمع الدولي في إنهاء الاحتلال بالطرق السلمية أن يتم اللجوء للسلاح باعتباره الخيار الآخر المتاح أمام الشعوب لفرض إرادتها والحصول على حريتها.. لقد عبرت حركة حماس عن رفضها للاحتلال بالوسائل السلمية التي تعددت بالكتابة على الجدران (Graffiti) وانتفاضة الحجارة، إلا أن المحتل لجأ لقمع نداءات الشعب الفلسطيني المطالبة بالحرية والاستقلال بالرصاص وحملات الاعتقال الواسعة، والتي لم يجد الفلسطينيون معها إلاَّ حمل السلاح ومواجهة جيش الاحتلال في انتفاضة الأقصى عام 2000م. وحتى اللحظة، فإن هناك مقاومة لاعنفية في العديد من الأماكن في الضفة الغربية إلا أن إسرائيل تلجأ لاستخدام العنف المسلح الذي يقوده الجيش وغلاة المستوطنين لقمع الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم ومزارعهم في نعلين وبعلين...الخ

كما سبق أن قلنا، إننا – كإسلاميين وكفلسطينيين - مع القانون الدولي الذي يحفظ حقنا في الوصول لاستعادة أرضنا، وتمكين أهلنا من العودة إلى ديارهم السليبة، ونحن نراعي في مقاومتنا ما أقرته القوانين والشرائع الدولية، ولكن الغرب منحاز - للأسف - بالكلية لإسرائيل، ولا يبدو أنه حريص على أن ينال الفلسطينيون حقهم في الحرية والاستقلال.

لقد خاطبنا الأوروبيين كثيراً، وقلنا لهم: إن لنا أرضاً محتلة وشعباً مشرداً ينتظر منذ أكثر من ستين عاماً العودة لأرضه، ولقد ناشدنا كل المنظمات والهيئات الدولية إيجاد حل عادل لقضيتنا، ولكن للأسف خذلنا العالم وانتصر لإسرائيل.. إن المظلومية التي لحقت بشعبنا هي التي فرضت علينا التفكير في بدائل أخرى تجبر الاحتلال على الرحيل عن أرضنا.. لقد نجحنا - نسبياً – بالمقاومة في تحرير قطاع غزة وهو جزءٌ من الأرض الفلسطينية، ومازلنا نأمل أن نحرر ما احتل أيضاً من أراضي الضفة الغربية.

نتمنى على الغرب والمجتمع الدولي أن يعيننا في الوصول لحقنا في التحرير والعودة، فنحن شعب محب للسلام، وكنا دائماً كمسلمين الحاضنة الآمنة لما تعرض له اليهود من قتل واضطهاد على أيدي الأوروبيين؛ سواء في القرن الخامس عشر بالأندلس خلال محاكم التفتيش أو بين الحربين العالميتين من عشرينيات وأربعينيات القرن الماضي في أوروبا.

الحوار مع الاوروبيين: نافذة أمل

إن العلاقة مع الأوروبيين بدأت تتحرك بشكل كبير مع فوز حركة حماس بالانتخابات في يناير 2006م، حيث اتيح لبعض نواب المجلس التشريعي وأعضاء في الحكومة القيام بزيارات لعددٍ من الدول الغربية، مثل: فرنسا والسويد وسويسرا والنرويج وبريطانيا وإيطاليا، والمشاركة في بعض الفعاليات التي رعتها الجاليات الإسلامية هناك، كما كانت هناك فرصة للبعض منهم في زيارة برلمانات تلك الدول.

ولكن يبدو أن إسرائيل التي كانت تقف لحركة حماس بالمرصاد، وتتربص بحكومتها الوليدة، دخلت بسرعة على الخط لوقف التواصل وقطع الطريق أمام استمرار مثل هذه الزيارات، وذلك بالطلب من أمريكا بإلزام الدول الأوروبية بوقف تقديم أية تسهيلات سياسية لحركة حماس أو وزرائها في الحكومة.. وهذا ما تم فعلاً، حيث توقفت بعد ذلك كل أشكال اللقاءات الرسمية، وإن كانت بعضها ما تزال تجري خلف الكواليس وفي سرية تامة.

إسرائيل والغرب: حسابات المصالح في لعبة الأمم

إن أوروبا بشكل عام تدور في الفضاء الجيو- استراتيجي للسياسة الأمريكية، فإذا كانت سياسة أمريكا هي دعم إسرائيل عسكرياً ودبلوماسياً فإن أوروبا ستحذو حذوها.. وقد شاهدنا ذلك الدعم في كل حروب إسرائيل بالمنطقة، حيث يتم حشد مواقف النصرة والتأييد للموقف الإسرائيلي، ولا نكاد نجد إدانة دولية للعدوان الإسرائيلي على لبنان أو سوريا أو غزة، إننا نرى دائما اختلاق الغرب - وخاصة أمريكا - للأعذار والمبررات لإنقاذ اسرائيل من الإدانة الدولية.

إن أوروبا هي حليف استراتيجي لإسرائيل، ولكنها تحاول تغطية مواقفها السياسية المنحازة بإظهار تأييدها لحق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم على حدود الرابع من حزيران، في سياق ما يسمى بحل الدولتين.. وهي تقوم بتغطية بعض ميزانيات السلطة الفلسطينية، وخاصة في مجالات الصحة والتعليم وإصلاح البنى التحتية، كثمن للتغطية على مواقفها غير الأخلاقية تجاه الصراع بشكل عام.

لقد وجه لي أحد الأوروبيين سؤالاً حول طبيعة العلاقة بين إسرائيل والغرب، وهل هي ذات طابع حضاري متأثر بالتراث المسيحي اليهودي الغربي أم أن اسرائيل مجرد دولة وظيفية للغرب في المنطقة؟ ثم أضاف متسائلاً بصيغة أكثر تحديداً: هل ترون أن هذه العلاقة مع إسرائيل هي نابعة من حسابات أوروبية للربح والخسارة أم أنها تنطلق من حسابات استعمارية وحضارية تتعلق بالطرفين؟!!

لقد كان ردي على تساؤلاته بالقول: إن هذه الأبعاد المذكورة تجد لها قبولا في أدبيات الإسلاميين والعرب بشكل عام. نعم؛ هناك من ينظر لإسرائيل بأنها دولة وظيفية تخدم مصالح الغرب الاستراتيجية في المنطقة، وهي بمثابة حاملة طائرات غير قابلة للغرق، وهي ذراع عسكري قوي لحماية المصالح الحيوية والنفطية للغرب. وهناك من يرى كذلك أن التراث المسيحي اليهودي في الثقافة الغربية هو ما يعزز هذا الترابط والدعم لإسرائيل.. لاشك أن الأبعاد المذكورة تحظى بالوجاهة لدى كل من يحاول تفسير هذا التحالف غير المقدس بين الغرب وإسرائيل.

لاشك أن أوروبا لا تقطع أمراً فيما يتعلق بإسرائيل دون مراعاة الموقف الأمريكي، كما أنها تنتظر وجهة النظر الأمريكية في مواقفها السياسية الخاصة بإسرائيل وما يمكن أن تمنحها الإدارة الأمريكية من مساحة للمناورة والتكتيك.. إنني أتذكر ما قاله لي أحد الدبلوماسيين الأوروبيين من أن بلاده تتبع أمريكا في مواقفها السياسية ولا تخرج عن محددات سياساتها الخارجية، وفي مجال الاقتصاد فهي تسير في ركاب السياسة الألمانية وتحذو في كل خطوٍ حذوها.

إن أمريكا ومنذ الحرب العالمية الثانية بسطت هيمنتها على الدول الأوروبية باعتبارها الدولة العظمى التي أنقذت أوروبا من السقوط تحت براثن الشيوعية، والخضوع عسكرياً للاتحاد السوفيتي. لذلك، فإن أوروبا الغربية ومنذ ذلك الحين هي مستعمرة أمريكية من ناحية مواقفها وسياساتها. ربما بعد نشأة الاتحاد الأوروبي وتشكيل تكتل اقتصادي ومالي لدول الاتحاد الأوربي بدأت بعض الدول محاولة خلق فضاء سياسي يمنحها التحرك ولو بهامش صغير بعيداً عن التبعية لأمريكا، مثل فرنسا وألمانيا.

إننا نلاحظ في الولاية الثانية للرئيس أوباما أن هامش الاستقلال بالموقف الأوروبي آخذٌ بالاتساع، وخاصة مع بروز الإسلاميين على مسرح الحكم في العديد من الدول العربية بعد ما يسمى بالنهوض أو ثورات الربيع العربي، الأمر الذي يوحي وكأن أمريكا أعطت الضوء الأخضر للأوروبيين بأن كل دولة حرة في اختيار طريقة تعاملها مع الإسلاميين بالمنطقة بما في ذلك شكل العلاقة مع حركة حماس.

ويبقى سؤال الشارع الفلسطيني حول ما لحق به من مظلوميّات تاريخية، وهذه القطيعة الأوروبية مع الإسلاميين من حماس إنما هي واحدة منها، وهو: هل إلى خروجٍ من سبيل؟

المصدر: 
القدس