دروس حادثة الكلاشينكوف في البرلمان الأردني

بقلم: 

أطلق النائب الأردني طلال الشريف النار على زميله النائب قصي الدميسي الثلاثاء الماضي قرب (وحسب أقوال أخرى، داخل) مقر البرلمان الذي كان يعقد جلسة رسمية له لمناقشة الميزانية العامة للدولة، ويعتبر هذا الأمر تطوراً خطيراً بعد أن قام نائب آخر قبل شهور بسحب مسدسه تحت قبة المجلس مهدداً به.
المعروف ان القانون الأردني يسمح للنواب بحيازة وحمل أسلحة شخصية (مسدّسات) لحماية أنفسهم لكن النائب الشريف استخدم سلاحاً حربياً (كلاشنيكوف) وليس مسدّساً وأطلق منه رشقة رصاصات كان يمكن أن تودي بحياة زملاء له.
هذه الحادثة الخطيرة كشفت حقيقة ان عددا كبيراً من النواب الأردنيين يقومون بادخال أسلحتهم الى قبّة البرلمان، وهذه الممارسة العجيبة تعني، على الأغلب، واحدا من أمرين:
الاحتمال الأول، هو أن هؤلاء لا يشعرون بالأمان الكافي في مجلس النواب، وهو أمر يتناقض مع الأساس الذي تقوم عليه مهمتهم في تشريع القوانين التي تضمن حقوق المواطن وتنمية الاقتصاد والادارة الناجحة للدولة، فكل هذا لا يمكن أن يناقش او يشرّع او يتوفر ما لم يؤمن مجلس النواب للشعب الأردني الذي يمثّله أسباب الأمن والطمأنينة والسلام لا أن يكون هذا المجلس نفسه ساحة حرب يشعر المواطنون حين يتطلعون اليه أنهم يعيشون في غابة لا تحلّ فيها الأمور إلا بالسلاح.
الاحتمال الثاني، هو أن بعض النواب الأردنيين لا يستخدمون هذه الأسلحة لحماية أنفسهم في الحقيقة بل لتهديد الآخرين، وهي قضية تتناقض تناقضاً مطلقاً مع أدوارهم كممثلين للشعب، فالنائب الذي يعتبر نفسه فوق القانون وأنه قادر على تهديد الآخرين بالسلاح واستخدامه ضدهم هو كارثة حقيقية على الشعب الذي يمثّله أولاً وخطر على نفسه ومن حوله ثانياً.
كان يمكن اعتبار الأمر حادثاً فردياً وأن تلملم ذيول القصة وتبعاتها لو لم يكن الأردن في عين العاصفة الجارية في الشرق الأوسط حالياً وأية حادثة فردية يمكن أن تصبح فجأة الشرارة التي قد تفجّر حوادث أكبر بكثير.
فالزلزال الكبير الحاصل في سورية ونزوح مئات الاف اللاجئين من هناك للأردن، والضغوط الاقتصادية التي ينوء تحتها الأردنيون، ووصول تأثيرات الهجمة الكبيرة التي تتعرض لها أكبر جماعة حزبية مدنية في مصر، الإخوان المسلمون، وفوق كل ذلك الملفات الفلسطينية الهائلة القابلة للانفجار في أية لحظة، كلّها أثقال كبيرة يحتاج الأردن، الدولة والشعب، الى جهد وحكمة وصبر كي لا يدفع، في لحظة من اللحظات، ثمناً لها أكبر من قدرته على التحمّل.
تضاف الى كل ذلك مشكلة قانون ‘الصوت الواحد’ للانتخابات الذي أنتج مجلس النوّاب هذا، بتشكيلته التي لا تمثّل بعمق التركيبة السياسية الحقيقية القائمة في الأردن، والتي لا تقدم لجمهور المصوتين غير خيارات العشائرية والخوف والتعصّب.
أثبت الأردن، رغم الصعوبات الكبيرة التي يرزح تحتها، عن مرونة كبيرة في التعامل مع العاصفة الكبيرة التي تضرب المنطقة لكن ذلك لا يعني أنه محصّن على التغيير.
الحصانة الحقيقية هي بالاستجابة لنداء العصر بتعزيز الحريات المدنية والعدالة الاجتماعية، وهذا لا يمكن أن يستمر بقانون يسمح لنواب الكلاشنيكوف بتمثيل الشعب الأردني.
يعتقد البعض في الاردن أن استمرار هذا القانون الانتخابي يمنع الإسلاميين من الدخول الى قبّة البرلمان، لكنّ ما يفعله هو منع السياسة وإحلال الغلبة التي لا تفيد الغالب ولا المغلوب.
كان الإسلاميون في الأردن لفترات متعددة قريبين من أجهزة الدولة وتفيأوا شجرتها أكثر من مرة، كما أنهم استوعبوا دروس الحدث المصري وتعلّموا خلال عقود طويلة احترام الديمقراطية في الاردن وأسسها، واستبعادهم، في النهاية، لا يفيد إلا في تغذية عناصر الإحباط والتطرف في الأردن والمنطقة.

المصدر: 
القدس العربي