الكتل الاستيطانية تُغلق طريق المفاوضات

بقلم: 

يذهب المفاوض الفلسطيني بعيدا في التفاؤل، أو السذاجة السياسية، بالقول بامكان الوصول، في المفاوضات، إلى حل لقضايا الوضع الدائم في ثلاثة أشهر لو توافرت النيات الحسنة لدى الطرفين. وهو بذلك يقفز عن حقائق الصراع، وتعقيدات القضايا التي سرعان ما برزت ماثلة امام الطرفين حين فتح ملف الحدود والأمن، وفي إطاره جرى بحث قضية الكتل الاستيطانية.

ينطلق المفاوض الإسرائيلي من أن الجانب الفلسطيني قد سلم بمبدأ ضم هذه الكتل لإسرائيل حين وافق على مبدأ تبادل الأرض. لكن المعضلة تكمن في تفاصيل هذا الملف المليء بالتعقيدات.
وأولها الاتفاق على رسم "حدود" هذه الكتل وحجمها، خاصة أنه ليس هناك تعريف واضح ومحدد لمسألة الكتل، والجانب الإسرائيلي هو وحده من يرسم هذا التعريف وتالياً من يقرر مساحة الارض الفلسطينية التي سوف تضم لإسرائيل. أي بتعبير آخر، هو من يرسم حدود الدولة الفلسطينية التي يفترض الانتهاء إلى الاتفاق على قيامها.
والكتل الاستيطانية ليست مجرد مساحة أرض بل هي، وفقا للدراسات المختلفة، من أكثر المناطق خصوبة في الضفة الفلسطينية، تقع فوق الآبار الجوفية للمياه في المناطق المحتلة، وتحتل مواقع عسكرية استراتيجية تتحكم بشبكة الطرق والتنقلات للفلسطينيين مما يهدد بالعودة إلى "جلد الفهد" التوصيف الأكثر دقة لما ستكون عليه الدولة الفلسطينية ذات الإقليم المبعثر والمشتت والممزق بالطرق الالتفافية والمعابر الحدودية والأنفاق والجسور.
دون أن ننسى، في هذا السياق، الاصرار الإسرائيلي على ضم الشاطئ الفلسطيني من البحر الميت.
مقابل هذا التبادل الذي تفترض إسرائيل أنه سيكون محدودا ومتفقا عليه يبقى الوجه الاخر من هذه المسألة: المناطق التي سوف تضم للدولة الفلسطينية مقابل الكتل الاستيطانية. هل يرضى الجانب الفلسطيني بضم المناطق العربية الكثيفة السكان في إسرائيل، أو يطالب بتوسيع قطاع غزة نحو مناطق النقب أسئلة محيرة سيقف أمامها المفاوض الفلسطيني مقيدا بتعقيدات الموضوع وتداعياته السياسية على الصعيد الوطني الفلسطيني خاصة مع "الأهل" في مناطق 48، ومع حوالى 350 ألف فلسطيني سوف تقع أراضيهم الزراعية خلف جدار الفصل والضم العنصري، والذي تعتبره إسرائيل أساسا لرسم الحدود بين "الدولتين" بديلا من خطوط الرابع من حزيران 67، التي رفضت الاعتراف بها وترفض.
ويبدو أن المفاوض الإسرائيلي ينظر إلى الامور بـ "واقعية" تتجاوز إلى حد بعيد تفاؤل الجانب الفلسطيني وحماسته. لذلك تبدو واضحة في الصحف العبرية الدعوات إلى عدم الخوض في الحل الدائم، محذرة من خطورة انهيار المفاوضات إذا ما حاولت الوصول إلى حل الرزمة الواحدة، وتدعو في المقابل إلى الاكتفاء بإعلان مبادئ بين الجانبين (شبيه بإعلان مبادئ 13/9/1993 المسمى اتفاق أوسلو والذي مضى على توقيعه عشرون عاما دون أن يرى طريقه إلى التطبيق التفصيلي). ما يعني أن الجانب الفلسطيني مقبل على استحقاقات سياسية تراوح بين الانسحاب من المفاوضات بعد فقدان الأمل في نجاحها (وهذا دونه عقبات وصعوبات) أو القبول بالحلول المرحلية التي تبدأ بالدولة ذات الحدود الموقتة، وتبقى مفتوحة على الزمن، ما يهدد بنسف المشروع الوطني الفلسطيني.

المصدر: 
النهار