حماية الأقصى

بقلم: 

في خضم الأزمات التي تجتاح منطقتنا العربية، تبقى القضية الفلسطينية هي الجرح الحاضر الدائم، فانشغال الجميع باحتمال توجيه ضربة إلى سوريا أعطى إسرائيل ضوءاً أخضر لتنتهك المسجد الأقصى وتعيث فساداً فيه.

يحترق القلب كمداً وحزناً على فلسطين وعلى مقدسات إسلامية جعلت اليهود يبحثون لهم عن مداخل لتدينها ولتهون القدس رغم أنها المدينة المسلمة حتى أطراف شرفاتها المطلة على باحات الفضاء المترامية.

للقدس عمق تاريخي يصعب حصاره ويستحيل اختزاله في الإسلام فقط أو اليهودية فقط، كونها الأرض المباركة التي تهفو لها الأديان السماوية الثلاثة، لأن كل الرسل والأنبياء مروا من هناك.

فالفكر اليهودي مؤسس على الإقصاء وعلى الاستئثار بكل شيء، لأن السارق في حالة هلع دائم مغبة أن تكتشف مسروقاته، وقد عمد الاحتلال منذ عقود إلى طمس هوية المسجد الأقصى والادعاء أنه قام على هيكلهم المزعوم، وهو ما كذبته كل الوثائق التاريخية التي أثبتها دارسون من كل الأديان.

صمود سكان القدس ووعيهم بمزاعم المحتل جعلاهم في حالة تحفز واستعداد دائم لرفض تهويد الأقصى، كما أن إصرارهم على الصلاة فيه جعلهم شوكة في حلق المتشددين الإرهابيين من اليهود.

ولعل نسبة ارتفاع عدد المسلمين حول العالم التي تشكل 19 في المئة، والتي تفوقت على الكاثوليك كما أعلن الفاتيكان، ستجعل اليهود في حالة استنفار وجنون للحد من هذا الانتشار.

الحفاظ على المسجد الأقصى ضرورة قصوى بالنسبة للمقدسيين وغيرهم، فالفعل الإسرائيلي مجرّم، وبه تعدٍ صارخ على معلم أثري وتاريخي قبل أن يكون دينياً.

ولعل اليهود أكثر إدراكاً بمعنى أن يتفوق عدد المسلمين على أعداد المؤمنين بديانات أخرى، ورغم العدد الكبير وتخاذل الأمة عن نصرة قضيتها الأم ، فإن الجميع يدركون تمام الإدراك أن المخاضات الصعبة التي تمر بها دول الإسلام وحاضراته هي لصناعة جيل مختلف تمام الاختلاف عن سابقيه... إنها صناعة ربانية رغم كل المحاولات المستميتة من اليهود، ومن المهم تحطيم هوية هذا الجيل.

والحقيقة أن اليهود أكثر دراية بالتاريخ، وأكثر قراءة لحقيقة أن يكونوا قد سطوا كعصابة على وطن وشعب وهوية دون أن تنجح هذه العصابة في إلغاء إرادته أو حتى طمس هويته العربية المسلمة الضاربة في عمق تاريخ وحاضر ومستقبل أمة الإسلام.

ومن العبث أن نتجاهل قناعات اليهود بأكاذيبهم رغم محاولتهم إظهارها بأنها جزء مما قالته التوراة، لأن الأمر في إسرائيل يمكن تفسيره ضمن حرب دينية، لا تُشن فقط على الإسلام، بل حتى على العرب المسيحيين، فهي تهدم وتطمس العديد من المعالم التاريخية المسيحية التي تكتظ بها مدن فلسطين. لكن الهاجس المخيف هو هوية المسجد الأقصى، وقدسيته عند المسلمين، وأنه الشاهد الأهم على مدينة مسلمة عربية، ولن تكون غير ذلك.

ما أقرب المسجد الأقصى لقلوبنا، وما أبعده عن فعلنا ومنافحتنا عنه... له رب يحميه وإنْ طال ليل الغدر.

المصدر: 
الاتحاد