أربع خطوات كبرى إلى الوراء

بقلم: 

أربع خطوات كبرى خطاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في لقاء له مع وفد من حزب ميرتس الإسرائيلي (23/8/2013) حين أفصح عن استعداداته التفاوضية أمامهم.

- أبدى استعداداً لتبادل الأراضي بين الجانبين، في خطوة يتفق المراقبون، على اختلاف اتجاهاتهم أنها تنسف عملياً حدود الرابع من حزيران 67 أساساً للمفاوضات وتفتح الباب على مصراعيه لإجراء تغييرات في الضفة الفلسطينية، وفي القدس الشرقية، منطلقها الواقع الاستيطاني، وما خلفه عبر السنوات الماضية من وقائع ميدانية، بات المفاوض الفلسطيني يسلم مسبقاً بها، حين يقبل، كما أفصح الرئيس عباس، بفكرة "التبادل". خاصة وإن حدود هذا التبادل مازالت غامضة، وهي تفتح شهية الجانب الإسرائيلي للربط بينها وبين ما يعتبره مصالحه الأمنية، متذرعاً بأن القرار 242 دعا إلى "حدود آمنة" لإسرائيل في ذلك الوقت.

- أبدى استعداداً لقبول بقاء مستوطنين في مناطق الدولة الفلسطينية، وإن اشترط أن يكونوا تحت سيادة القانون الفلسطيني. ونعتقد أنها المرة الأولى ــ تقريباً ــ التي يفصح فيها عباس عن هذا الموقف، إذ سبق له وأن أكد في أكثر من تصريح أنه لا يقبل ببقاء إسرائيلي واحد على أرض الدولة الفلسطينية المستقلة. موقفه الجديد يطرح مجموعة أسئلة شائكة، ويفتح الباب لعدد من القضايا المعلقة: هل هذا معناه الاعتراف بالمستوطنات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية، والاعتراف بشرعية وجود سكانها. المسألة تتجاوز حدود قضية قبول بعض الإسرائيليين كمقيمين تحت سيادة القانون الفلسطيني، كباقي رعايا الدول الأخرى، بل تطال مسألة غاية في الخطورة هي مسألة الموقف من بقاء المستوطنات (وهي غير شرعية بنظر القانون الدولي) في الأرض الفلسطينية كتسليم بشرعيتها.

- أبدى استعداداً للقبول بتجزئة الحل الدائم إلى مراحل، وهو بالأساس مطلب إسرائيلي، يقوم على فكرة صعوبة الوصول إلى حل رزمة واحدة مع الفلسطينيين. وعلى خلفية هذا المشروع انسحب اريئيل شارون من حزب الليكود وشكل حزب كاديما واستقطب رجالات من الليكود والعمل وحزب الوسط آنذاك. لفتة عباس هذه تفتح الباب أمام شتى الحلول الحزئية ومن بينها الدولة ذات الحدود المؤقتة، ما يضع الفلسطينيين في اختبار إسرائيلي ــ أميركي مديد لسبر مدى استعدادهم لضمان أمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية إذا ما قامت لهم في أحضان الاحتلال دولة ما. موقف عباس هذا شكل عنصراً جديداً في الإستراتيجية التفاوضية الفلسطينية، لم يسبق أن طرح مثيلاً له في الاجتماعات الرسمية التي كانت تؤكد عكس ذلك على رفض أية حلول جزئية ومرحلية في إطار الحل الدائم.

- وأخيراً وليس آخراً، وعد الرئيس عباس بالتنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين في حال تم الوصول إلى نهاية ناجحة للمفاوضات، مؤكداً أنه لن يكون بعدها للفلسطينيين أية مطالب إضافية. ومع أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عباس استعداده للتنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فإن إعلانه هذا الموقف هذه المرة، في حضور وفد ميرتس شكل خطوة مجانية لم يكن يطالبه بها أحد.

خطوات أربع، كبرى، خطاها الرئيس عباس نحو الإسرائيليين، على حساب المواقف والسياسات والمصالح العليا الفلسطينية، قدمها دفعة مسبقة لحزب إسرائيلي صغير، غير مشارك في الحكومة ولا يملك أي نفوذ في رسم السياسات الإسرائيلية. ترى، ماذا في جعبة المفاوض الفلسطيني من تنازلات إضافية حين تحتدم العملية التفاوضية في الأيام القادمة، وتتراكم على كاهله الضغوط الأميركية؟

المصدر: 
النهار