هل بإمكان المفاوض الفلسطيني العودة عن خطئه؟

بقلم: 

أخطأ المفاوض الفلسطيني بقبول دعوة وزير خارجية واشنطن جون كيري بالعودة إلى المفاوضات وفقاً لمعايير لا تضمن الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين.

فالاستيطان في القدس الشرقية المحتلة وفي أنحاء الضفة الفلسطينية، خصوصا الكتل الاستيطانية الكبرى، لن يتوقف، بل سوف يستمر بشراهة ملحوظة في سياق محموم بينه وبين المفاوضات، ما يرفع منسوب خطر تعطيل قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة بحدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس. ولقد سبق للرئيس محمود عباس أن أكد على مسألة وقف الاستيطان، كواحد من المتطلبات الضرورية لإنجاح العملية التفاوضية والوصول بها إلى بر الأمان، بدلاً من خوض مفاوضات عقيمة وعبثية، اعترف الرئيس عباس شخصياً أنها كانت مضيعة للوقت، وأن الجانب الإسرائيلي أرادها غطاء لمشاريعه الاستيطانية غير المشروعة.

كما أن الجانب الإسرائيلي لم يعترف بعد بحدود 4 حزيران 67 أساساً للعملية التفاوضية، انطلاقاً من إصراره على اعتماد مبدأ "الحدود الآمنة والمعترف بها" بديلاً. وهذه العبارة تشكل خطراً على الأرض الفلسطينية لأنها تتيح للمفاوض الإسرائيلي الإدعاء بحقه في رسم "حدوده" هو، كما يراها "آمنة"، وكما يجب على الجانب الفلسطيني الاعتراف بها. وما مشاريع الاستيطان بالطريقة المحمومة التي يدار بها، وما جدار الفصل والضم العنصري الا من وسائل عملية لرسم هذه "الحدود"، بما يتيح لإسرائيل ضم أوسع مساحة من الضفة الفلسطينية (بما فيها القدس) و تجريد الدولة الفلسطينية من العناصر الضرورية التي تؤمن لها القدرة على الحياة والاستقلال الاقتصادي، تالياً السياسي.

كذلك يرفض الجانب الإسرائيلي الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية مرجعاً للمفاوضات، وأهمها مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ويريد أن يكرس أن الأرض الفلسطينية ليست أرضاً محتلة بل مجرد أرض متنازع عليها، تشكل المفاوضات (بالنسبة للجانب الفلسطيني) وسيلة حسم أمرها، أما بالنسبة له فإن حسم أمرها يكون بفرض الوقائع العملية عبر مشاريع الاستيطان، وزرع الضفة بالمستوطنات، وشقها بالجدار، والفصل بينها وبين القدس الشرقية، وتحويلها إلى مجرد رقع جغرافية تتواصل فيما بينها بالممرات العسكرية والمعابر والجسور والأنفاق، وكلها تكون تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة.

وبالمحصلة فإن الجانب الإسرائيلي يرفض الاعتراف بالقرار 491 الارتقاء بدولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة ومازال يتعامل مع الوضع عند حدود اتفاق أوسلو 1994، (في بعض جوانبه)، ويرفض حتى الالتزام بخطة خارطة الطريق التي أطلقتها اللجنة الرباعية الدولية وتحفظت عليها حكومة شارون السابقة فأفرغتها - على مساوئها - من مضمونها وحولتها إلى هياكل فارغة.

يعتمد الجانب الفلسطيني على ما يسمى الضمانات الأميركية بحيث يقدم كيري، شفهياً، ضمانات للجانب الفلسطيني لـ"تهدئة" أعمال الاستيطان، وليس وقفها وقفاً تاماً. والتهدئة تعني مواصلة البناء (في الكتل الاستيطانية وفي المناطق الاستيطانية التي ينوي العدو ضمها لإسرائيل بدعوى انه اتفق على "تبادل محدود ومتفق عليه للأرض" مع الجانب الفلسطيني: هذا التبادل المسمى محدوداً، هو واحد من بنات أفكار شمعون بيريس في اقتراحاته عام 93 و 94 لتسوية قضايا الحل الدائم مع الفلسطينيين. وهو يقضي بضم الكتل الاستيطانية وأجزاء من الضفة (يتحدثون أحياناً عن 40% منها (إلى إسرائيل مقابل "ضم" مناطق الكثافة العربية في إسرائيل (أم الفحم مثلاً) إلى الدولة الفلسطينية.

كذلك قدم ضماناً شفهياً باعتماد حدود حزيران "مرتكزاً" لرسم الحدود. وليس "أساساً لها". والمرتكز شيء، والأساس شيء آخر. خصوصا ان "تبادل الأرض على جانبي الحدود" معناه عملياً شطب حدود حزيران 67 وإبقاء المسألة خاضعة للمناورات والضغوط التفاوضية والميدانية.

الضمانات الأميركية؛ كما تثبت التجارب، لا قيمة عملية لها لأن مقابلها يقدم الأميركي ضمانات مضادة للجانب الإسرائيلي، فتصبح ضماناته لتل أبيب هي الملزمة، بينما تتبخر ضماناته للفلسطينيين في الهواء. أين ضمانات كلينتون ووعود بوش الابن بقيام دولة فلسطينية قبل أن يغادر البيت الأبيض. وأين وعود أوباما بوقف شامل للاستيطان.

في كل الأحوال، فإن الفرصة لم تفت بعد. وبإمكان المفاوض الفلسطيني أن يعتذر عن قبول دعوة كيري باعتبارها لا تشكل أساساً صالحاً لعملية تفاوضية تضمن الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين كما أقرتها الأمم المتحدة.

وبإمكان الجانب الفلسطيني أن يذهب إلى الأمم المتحدة مستفيداً من عضوية فلسطين في الجمعية العامة وأن ينظم حملة ديبلوماسية، بدعم عربي، لنزع الشرعية عن الاحتلال وعزل دولة إسرائيل باعتبارها تنتهك مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية جنيف الرابعة، وقد ارتكبت، باعتراف المجلس الدولي لحقوق الإنسان، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في فلسطين.

مثل هذه الخطوة من شأنها أن تعزز صلابة الحالة الفلسطينية وأن تستنهض الشارع الفلسطيني، وقد ألهمته ثورة مصر الكثير من الدروس الغنية.

مثل هذه الخطوة من شأنها أيضاً أن تعيد تنظيم الصف العربي دعماً للقرار الفلسطيني خصوصا انه قرار يتحرك تحت سقف الشرعية الدولية وليس خارجها.

المصدر: 
المستقبل