عودة كيري ... والأسئلة الشائكة

بقلم: 

في جولة هي السادسة له يعود وزير الخارجية الاميركي كيري قريبا الى المنطقة، وكان قد انهى الجولة الخامسة التي اجتمع خلالها مع الرئيس عباس ونتنياهو، كلا على حدة، ثلاث مرات، بكلام عام عن احراز" تقدم حقيقي"، دون ان يقترن كلامه مع اي اجراء ملموس يشكل اختراقا مهما كان محدودا.

لم يكن ممكنا لكيري ان يقول غير ما قال، وان يعترف بفشل جولته حفظا لماء وجه اقوى دولة في العالم وهيبتها وحرصا على دورها وتأثيرها بالمنطقة، وليبقي الباب مفتوحا امام جولات لاحقة ومحاولات جديدة.

ولم يكن ممكنا له ان يسمّي الطرف الذي افشل له مهمته (اسرائيل)، فذلك خارج قدراته، في وجة قوة ونفوذ اللوبي الصهيوني في بلاده، خاصة وانتخابات التجديد النصفي لاعضاء الكونغرس بعد شهور قليلة .

لم يكن الوزير كيري والادارة الاميركية يتوقعان منذ بدأ محاولاته وجولاته ان تقدم اسرائيل على اعطاء ما تعتبره هي تنازلات مهما كانت صغيرة لانجاح مهمته.

اوضاعها الداخلية واتجاهها القوي ـ حكما ومجتمعا ـ نحو اليمين والعدوانية والتوسع الاستيطاني تدحض هذا التوقع.

فهي المستفيد الاول من حال الضعف الشديد الذي يعيشه الوضع العربي عموما، ومن انشغال الوضع الاقليمي والدولي بأجندات اخرى تحتل الاولوية المطلقة من اهتماماته وتستنفذ جل جهوده.

وهي ترى في ذلك فرصة ذهبية لها لفرض حقائق امر واقع على الارض وبما يصل الى درجة خلق واقع جديد على مقاسها.

لذلك فهي تضرب في كل الاتجاهات :

- اقرار بناء وحدات استيطانية جديدة .

- تهجير آلاف من بدو النقب عن قراهم والاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات من اراضيهم.

- اقرار قانون عنصري جديد يضيق على اهلنا في اراضي 1948 ويزيد من التعدي على حقوقهم وحرياتهم ويوسع فجوة اللامساواة ضدهم كمواطنين اصيلين على ارضهم.

ولأن الادارة الاميركية تعرف ذلك عن اسرائيل، فان رهانها ان يتحقق نجاح مهمة كيري هو على استجابة الطرف القلسطيني لمطالبها او اغراءاتها، وضغوطها ايضا.

لكن القيادة الفلسطينية تمسكت بمطالبها (شروطها). وهي مطالب محدودة وتنسجم تماما مع الموقف الدولي بمؤسساته الرسمية وكثير من دوله، ومع مواقف وقناعات المجتمع الدولي وهيئاته غير الرسمية ، ناهيك عن انسجامها التام مع الاعراف والقيم العالمية .

ولم يكن بمقدور القيادة الفلسطينية ان تنزل عن تلك المطالب او تتراجع عن اي منها.

كان هذا حال اسرائيل في جولة كيري السابقة ،وهوحالها الآن في جولته القادمة.

وعلى ذلك، يبقي الرهان الاميركي هو الرهان نفسه، لكن لماذا يصر الوزير كيري والادارة الاميركية من ورائه على تحقيق انجاز او اختراق في الوضع القائم قبل موعد انعقاد الجمعية العمومية للامم المتحدة في ايلول القادم؟.

يبدو ان الادارة الاميركية لديها رغبة اكيدة في ابقاء الملف الفلسطيني بعيدا عن الامم المتحدة وهيئاتها منعا لمكاسب دولية جديدة يمكن ان يحققها الفلسطينيون، وتجنبا لتكرار الموقف المحرج الذي وجدت نفسها معزولة فيه حين صوتت غالبية كبيرة من دول العالم لصالح فلسطين ضد ارادتها وتصويتها .

وعندها رغبة وحاجة ايضا ان تحقق انجازا مهما كان شكليا وثانويا تستطيع بعد تضخيمه وتجميله اعلاميا ان تقدمه الى الداخل الامريكي كاختراق هام للوضع القائم .

السؤال: هل سينجح الرهان الاميركي على استجابة القيادة الفلسطينية للطلبات والضغوط الاميركية في جولة كيري القادمة؟ وهل سيأتي كيري وفي جعبته ضغوط اضافية على القيادة الفلسطينية من اطراف اخرى ؟

الامل ان تتمسك القيادة الفلسطينية بمواقفها وان تصمد في وجه اية ضغوط.

ويقاطع هذا السؤال ومعه الامل ، مع اسئلة شائكة حول التوجه العلني وشبه الرسمي نحوالاتصال والحوار مع المجتمع المدني الاسرائيلي الى درجة تشكيل الرئيس عباس لجنة من رموز قيادية لهذه المهمة كما تناقلته الصحف ، والى درجة لقاء رموز قيادية اولى مع اعضاء من مركز الليكود وآخرين من مركز حركة شاس ، والى ذهاب وزير سابق واكاديمي معروف الى الكنيست الاسرائيلي للأجتماع مع " مجمموعة التأييد لمسيرة السلام مع الفلسطينيين".

والاسئلةالشائكة من نوع :

- هل هذا التوجه متفق عليه ومقر من قوى القيادة الفلسطينية او اي من هيئاتها خصوصا وان المشاركين فيه لهم صفات ومواقع قيادية، ام هو سبب اضافي للخلاف؟.

- هل هناك دراسات جدية تظهر وجود مؤشرات مقبولة على حراك داخل المجتمع الاسرائيلي يشجع على هذا التوجه ، وتظهر احتمالية – ايضا مقبولة – لتحقيق اختراقات ولو محدودة ؟ (هناك مؤشرات قوية عكس ذلك).

- ما مدى قبول اغلبية الناس وتجاوبهم مع هذا التوجه، وما مدى اضراره بموضوع المصالحة الوطنية وانها الانقسام؟.

واسئلة اخرى.

ثم، لماذا لا تتجه اولويتنا باتجاه ترتيب اوضاعنا الداخلية، وتحسين اوضاع الناس المعيشية؟.

ولماذا لا نوجه بوصلتنا في العمل الدولى باتجاه مؤسسات وهيئات الامم المتحدة والمجتمع المدني على طريق تحقيق مزيد من الانجازات؟.

 

 

المصدر: 
الأيام