لماذا يرفض نتنياهو خطوط 4 حزيران؟!

بقلم: 

تمحورت زيارة جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، المكوكية، بين عمان ورام الله وتل أبيب، على إقناع الجانب الفلسطيني بالقبول بالتنازل عن خطوط الرابع من حزيران (يونيو67) أساساً للمفاوضات، ولرسم الحدود بين "الدولتين". المسألة ليست شكلية بل تطال في جوهرها العديد من القضايا الرئيسية، بتداعياتها الواسعة في رسم آفاق حل قضايا الوضع الدائم.
ـ إسرائيل، ما زالت تتمسك بجانب من القرار 242 الداعي إلى حدود "آمنة ومعترف بها"، وتنطلق من ذلك للادعاء أن حدود هدنة 1949 لا توفر لها هذه الحدود، مما يستوجب رسم حدود جديدة، تتيح لإسرائيل قضم وابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 باعتبارها "ضرورة أمنية وتطبيقاً لقرار الشرعية الدولية".
والحدود التي تطمح إسرائيل لرسمها تتماشى وجدار الفصل والضم العنصري، الذي يحتجز خلفه نحو 340 ألف فلسطيني، ويتيح لإسرائيل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، وطرقها الالتفافية وما تسميه مخططاتها الهيكلية (أي الأرض القابلة لتوسيع المستوطنات بما يستجيب لما يسمى الزيادة الطبيعية للسكان). من هنا يدور الحديث عن " حل الدولتين"، وليس عن قيام دولة فلسطينية مستقلة، باعتبار ان الدولة الأخرى قائمة ولا تحتاج لقرار أو اتفاق لتقوم. وحل الدولتين، ارتباطاً بإسقاط حدود 4 حزيران، معناه إعادة رسم حدود إسرائيل الجديدة، لتصبح "آمنة" وتكفل لها الأمن والأمان. علماً أن الأمن في إسرائيل عبارة عامة، لاحدود لها، قد تشمل الأمن العسكري، وتطال الأمن المائي، والأمن الديمغرافي، والأمن الاقتصادي والغذائي وغيره. وبالتالي إذا ما انزلق الفلسطينيون إلى الطلب الإسرائيلي وقبلوا بالتنازل عن خطوط الرابع من حزيران أساساً للحل، لوجدوا أنفسهم أمام سلسلة من المطالب الإسرائيلية التي لن تنتهي، لان الحل سيقوم على خلفية ضمان أمن إسرائيل في مجالاته المختلفة. أي أن الهدف من الحل هو توفير المطالب والمتطلبات الإسرائيلية وليس دحر الاحتلال وتفكيك الاستيطان ورحيلهما عن أرض، سوف تقام عليها دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، يمارس فوقها شعب فلسطين حق تقرير مصيره ورسم مستقبله.
ـ كما من تداعيات إسقاط 4 حزيران، العودة إلى نغمة أن الأرض متنازع عليها وليست محتلة. والنزاع هنا لا يقف، عندئذ، عند حدوده السياسية والقانونية والديمغرافية بل سوف يمتد نحو آفاقه التوراتية المبنية على خرافات العهد الإلهي بقيام دولة إسرائيل الكبرى. الخطوة الأولى في هذا السياق، هي رفض اعتبار القدس أرضاً فلسطينية محتلة بل هي مهد المملكة اليهودية وحيث يجب أن يقام الهيكل. ولسنا بحاجة لأن نستعرض أهمية القدس في الوجدان السياسي والثقافي والديني، الإسلامي والمسيحي، لدى الفلسطينيين والعرب، وبالتالي إن أي حل مهما كان سقفه، لا يضمن عودة القدس إلى أهلها وشعبها، باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية وقلبها وعقلها، سيبدو في عيون الكثيرين جداً، حلاً منقوصاً، وتنازلاً خطيراً، رفض الرئيس الراحل عرفات أن يقدمه في كامب ديفيد (تموز2000) فرسم برفضه هذا خطاً أحمر لكل المفاوضين من بعده. وبالتالي فإن من ضرورات الدفاع عن عروبة القدس التأكيد على خطوط 4 حزيران 67، باعتبار القدس جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، ينطبق عليها ما ينطبق على رام الله ونابلس وجنين، وغيرها من المدن والقرى والبلدات الفلسطينية المحتلة في حزيران (يونيو)67. إن التمسك بخطوط 4 حزيران، هو خط الدفاع الأول عن القدس وعروبتها وهويتها الوطنية الفلسطينية وعن موقعيتها في قلب القضية الفلسطينية .
ـ ومن تداعيات اعتبار الأرض متنازعاً عليها وليست محتلة، وأيضاً، الدخول في متاهات الحلول الأمنية. بحيث تطالب إسرائيل، كما ورد على لسان الكثيرين من قادتها، بوجود عسكري"غير سيادي" عند الحدود الشرقية للضفة الفلسطينية، بدعوى التحوط لأي خطر قد يدهم إسرائيل من الشرق. ولأن الوجود "غير السيادي" يكون من حقه "الدفاع عن إسرائيل" ومن حقه حرية الحركة إلى "الداخل الإسرائيلي" لأسباب إدارية وأركانية، يتحول عمليا إلى وجود سيادي ما دام قراره مصدره رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي. أي إنه احتلال مقنع، يدوم على الأرض الفلسطينية لكن هذه المرة، بقبول ورضوخ فلسطيني وبموجب اتفاقية بين الجانبين. وهكذا وبدلاً من اقتلاع الاحتلال يتم ترسيخه وتحويله إلى "وجود شرعي".
ـ في السياق نفسه، وبدواع أمنية مشابهة، تحافظ إسرائيل على وجودها في غور نهر الاردن، المسمى سلة الغذاء في الضفة الفلسطينية، وبحيث يحرم الفلسطينيون من أهم بقعة جغرافية تشكل المصدر الفلسطيني الرئيسي لغذائهم، ما يعزز الاقتصاد الإسرائيلي ويضعف بالمقابل الاقتصاد الفلسطيني ويبقيه في حالة هشة.
ـ خلاصة القول إن من شأن التخلي عن خطوط 4 حزيران (يونيو)67 أن يقلص الدولة الفلسطينية لتصبح ذات حدود ضيقة، ومتواصلة تفصل بين أقسامها الطرق الالتفافية والمعابر والجسور والإنفاق ونقاط التفتيش الإسرائيلية وبحيث تفقد قدرتها على الحياة مستقلة وذات سيادة، تبقى على الدوام بحاجة إلى مساعدات الجهات المانحة، أو إلى القروض الخارجية، وهذا ما يبقيها تحت الوصاية الأجنبية، ويبقيها على صلة لصيقة هي اقرب إلى التبعية، بالاقتصاد الإسرائيلي، باعتباره الأقوى والأكثر قدرة على المنافسة. ما زال الفلسطينيون متمسكين بحدود الرابع من حزيران، لكن التعنت الإسرائيلي والانحياز الأميركي، يؤشران وينذران إلى أن الضغط الأميركي على الفلسطينيين سوف يتصاعد، مما سيضع الفلسطينيين أمام مفترق طرق خطير، يحتاج سلوك أي طريق منها قراراً واعياً. إما الانزلاق نحو التنازل بكل تداعياته الخطيرة على الحقوق الفلسطينية، وإما التمسك بهذه الحقوق بكل ما يقتضيه ذلك من سياسات واستراتيجيات وآليات عمل جديدة، تحتاج معها م.ت.ف. إلى جرعة لبعض من التجديد والإصلاح الذاتي.

المصدر: 
المستقبل