أزمة في المؤسسة الفلسطينية
أيّاً تكن التفاصيل التي أدت إلى استقالة رامي الحمد الله من رئاسة حكومة السلطة الفلسطينية، فإن التحليل الأخير يقودنا إلى التأكيد ان الاستقالة كانت تعبيراً عن أزمة في المؤسسة الفلسطينية، عنوانها النزاع على الصلاحيات، والتفرد بالقرار؛ إن في شؤون الإدارة العامة، أو في المجال السياسي.
هي أزمة على مستويين، تطال الرئيس محمود عباس، (ومنصب الرئاسة في السلطة الفلسطينية بشكل عام)، كما تطال حركة "فتح" نفسها، حزب الرئيس، الذي يطمح لأن يصبح الحزب الحاكم، ولا تستثنى، في السياق، الفصائل الباقية، وإن من موقع مغاير.
وتتبدى سياسة التفرد بالقرار لدى الرئيس عباس، على مستويين:
- المستوى الأول في العلاقة مع الفصائل حيث اتبع سياسة تهميش المؤسسة (اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي في منظمة التحرير) وتحويل قراراتها مجرد حبر على ورق، وتوصياتها مجرد لغو وكلام. كما اتبع سياسة الالتفاف على الوزارات المدارة من قبل فصائل أخرى، كحال تجربة وزارة الشؤون الاجتماعية حين تولتها ماجدة المصري فأنشأ مكتباً للشؤون الاجتماعية تابعاً لمؤسسة الرئاسة، وموازياً للوزارة.
- المستوى الثاني في العلاقة مع حركة "فتح" نفسها التي تحاول أن تنازعه المصالح والنفوذ من خلال إما المطالبة بتولي الحكومة، أو من خلال المساهمة في تشكيلها أو تسمية وزرائها. لذلك لم يكن غريباً أن يصف أحد خصوم الرئيس عباس، من قيادة "فتح"، حكومة الحمد الله أنها حكومة الرئيس وليست حكومة "فتح"، في محاولة للقول إن عباس تفرد بتشكيل هذه الحكومة وتسمية وزرائها دون إشراك«حزب السلطة»، كما تحاول "فتح" أن تقدم نفسها. وفي الحالتين، يحاول كل من عباس، و"فتح"، أن يدير حكومة، تقدم على أنها من المستقلين، من وراء الستار، مستفيدين من النفوذ داخلها، دون تحمل المسؤوليات أمام المؤسسة الفلسطينية.
في ما خص حكومة الحمد الله، فقد شكلها الرئيس عباس دون أن يعالج أزمة علاقة الرئيس برئيس الحكومة، ودون أن يعيد رسم حدود صلاحيات كل منهما. فابتدأ التوتر مع الحمد الله من حيث انتهى إليه مع سلفه سلام فياض. إذ أفرغ الرئيس عباس منصب رئيس الوزراء من الكثير من مضمونه، وجرّده من الكثير من صلاحياته، حين عيّن له نائبين أحدهما للشأن الاقتصادي والآخر للشأن السياسي واحتفظ لنفسه بالشأن الأمني (وهو الأمر الذي فشل في تحقيقه مع فياض ما أدى إلى الاستقالة بعد طول توتر) الأمر الذي حول الحمد الله مجرد ناظر للشأن العام.
استقالة الحمد الله قد تكون فاجأت المراقبين، ولم يمضِ على توليه المنصب أسبوعين، وقد لاحظوا لديه جدية ونشاطية في مزاولة مهماته. لكن الاستقالة، إذا ما وضعت في مجرى الأزمة المعروفة، تفقد عنصر المفاجأة.
دعا البعض، كحل للأزمة، إلى تشكيل حكومة وفاق وطني بين "فتح" و"حماس" بإشراك الآخرين. علماً أن الطرفين، كما توضح الوقائع ليسا مؤهلين بعد، للدخول في تجربة مثل هذه الحكومة، إذ لم يتوصلا بعد إلى نظام جديد للمحاصصة، بديلاً من المحاصصة الفاشلة التي وصلت بهما إلى الانقسام في 14/6/2007.
برزت هذه الأزمة إبان تولي محمود عباس رئاسة الحكومة في عهد الرئيس عرفات، انتهى به المطاف بعد مئة يوم من النزاع على الصلاحيات إلى الاعتكاف في بيته، تطارده صيحات شبيبة فتح: كارزاي فلسطين.
كما برزت أثناء تولي أحمد قريع لرئاسة الحكومة في عهد رئاسة عباس للسلطة. ويومها قال قريع لعباس: لا تفعل معي ما فعله عرفات معك.
كذلك برزت نافرة وانتهت إلى الاقتتال حين تولى رئاسة الحكومة إسماعيل هنية. أما مع فياض، القوي بعلاقاته مع الجهات المانحة، فإن التوتر كان العلاقة اليومية.
الحل يوفره إصلاح مؤسسي للسلطة يعيد رسم حدود صلاحيات الرئيس ورئيس وزرائه، وصلاحيات المجلس التشريعي، و إدخال تعديلات على القانون الأساسي للسلطة من وحي التجربة ودروسها.
الأزمة تعبير عن فشل في إدارة الشأن العام؛ وإدارة الشأن السياسي. وفتح هذين الملفين، من شأنه أن يعزز روح الإصلاح لدى سلطة مازالت لم تعرف الاستقرار منذ أن تأسست.
*عضو المكتب السياسي في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين – مقيم في باريس