الانقسام الفلسطيني... من التبرير إلى التفسير

بقلم: 

بعد سنوات من تبرير حدوثه وعدم تجاوزه، بدأت منذ أيام عملية تفسير إعلامية للانقسام السياسي الفلسطيني بخلفياته واستمراره .

في الإجمال يُفسر هؤلاء حالة الانقسام السياسي الفلسطيني بين حركتي “فتح” من جهة وحركة “حماس” من جهة ثانية، والساقط على الأرض بين الضفة الغربية وبين قطاع غزة، أنه جزء من حالة عربية متداعية إزاء القضايا العربية .

هي في شأن القضية الفلسطينية لم تكن في غياب الإجماع العربي على موقف داعم لهذه القضية ولكفاح الشعب الفلسطيني وحسب، بل إن رمي العرب كل بيضهم في السلة الأمريكية وتجاوبهم “الحاتمي” مع مطالب واشنطن بتقديم حوافز، وتشجيع الجانب الاسرائيلي على الانخراط في العملية السلمية، والوقوع تحت وطأة الوعود الأمريكية في شأن الوصول إلى نهاية موفقة لهذه الأزمة المتفاقمة، وذهاب بعض العرب وبحماسة إلى تسويق هذه ال”بضاعة” الأمريكية الغريبة في شأن التعامل مع الاحتلال وكما لو أنه غير نبتة استعمارية أو عنصرية اسرائيلية شاخصة بما يكرسه الجانب الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني من انتهاكات ضد الإنسانية، فإلى أين قادت التنازلات العربية التي جرت على وعود وضغوط أمريكية؟

لقد كانت النتائج عكسية، فهي ليست قاصرة على عدم إحراز تقدم في عملية التسوية السلمية، بل الأمر يذهب إلى أن ما حدث عربياً بوجه عام، وفلسطينياً بوجه خاص، من صرف كامل الأوراق، أدى إلى أن يزيد الجانب الاسرائيلي من تماديه بنكران حقوق الشعب الفلسطيني واستهداف وجوده، والحالة العربية هذه شجّعت الجانب الاسرائيلي على تجاهل العرب، كأمّة بوجودها وإرادة أبنائها الذين تمتد خريطة وجودهم وخريطة بلدانهم بين قارتي آسيا وإفريقيا، والتي تمتلك إمكانات بشرية كبيرة وكثيرة، لكنها مُهْدَرة ومعطلة، وثروات هائلة قلّ ما يمكن القول في شأنها إنها منهوبة ومسلوبة، وأغلب العرب ليسوا في تخلف فقط، بل ويعيشون حياة بائسة .

قد تكون مفيدةً الإشارة إلى بعض الأمثلة الشاخصة على تداعي حالة الانقسام والتفكك العربي، فهناك السودان الذي كانت الأطراف كافة حاضرة وفاعلة، في ما أدى إلى انقسام بين شماله وجنوبه . العرب وحدهم كانوا في حالة غياب للعب دور حقيقي يستوعب هذا البلد بطبيعته وبمتطلبات نهوضه، والأهم عيش وتعايش مكوناته على قاعدة أن السودان دولة ولهم حق في الحياة والكرامة والحرية والعدالة والمساواة والمبادئ والقيم الإنسانية .

وهناك الصومال الذي دارت على كيانه ومكوناته لعبة، إن لم نقل لعنة الأمم على مدى سنوات أدت إلى انهيار متسارع لهذا البلد بمترتباته على أبنائه البسطاء والفقراء بالموت والتشريد والترويع، ولم يكن هناك تحرك جدي باتجاه الصومال لا من محيطه العربي ولا محيطه الإفريقي والإقليمي والدولي، يقوم على إنقاذ هذا البلد من انهياره .

والمسألة في الإجمال تعود إلى ما آل إليه الوضع العربي من تدهور شامل افتقد فيه العرب دولاً وجماعات وأفراداً التحكم في مصائرهم، كما لو أنهم في اتجاه انحداري متسارع نحو الضياع .

هنا لابد من القول إن الفلسطينيين ليسوا في عالم آخر، بل إنهم في واجهة الوضع العربي المتردي، غير أن ذهاب مفسري الانقسام إلى ربط تجاوزه بإحداث تحول في الوضع الانقسامي العربي هو أقرب إلى “تشريع” من نوع “جديد” للانقسام .

بداية، فإن الفلسطينيين يتصدون لقضاياهم وحقوقهم المسلوبة، وقد مروا خلال ال 65 عاماً من نكبتهم عبر طريق شاق وبتضحيات غالية في مسيرة تعاقب الأجيال، كما أن الفلسطينيين يواجهون احتلالاً لنيل حقوقهم..

الأهم في هذا الشأن أن الانقسام السياسي بتداعياته المفتوحة على تصفية القضية الفلسطينية لم يكن رغبة وطنية فلسطينية بل كان هدفاً اسرائيلياً غربياً، ووجد هؤلاء ما هو متاح أمامهم تجاه حركتي “فتح” و”حماس” بتغذية نزعة الاستئثار بالسلطة، وهي الإشكالية الحقيقية التي أصابت حركة المقاومة الوطنية وألحقت أضراراً في الوحدة الوطنية، الأمر الذي أدى إلى تولّد ردود أفعال فلسطينية، عبّر عنها الشارع الفلسطيني ليس بالرفض وحسب، بل وبالمجاهرة في وجه المنقسمين بالارتفاع إلى مستوى قضايا الشعب الفلسطيني التي لا تحتمل لعباً بالنار كهذا .

والسؤال: أي خيار أمام المنقسمين: تغييره أم تفسيره؟

المصدر: 
الخليج