رئيس وزراء.. ام "طرطور" ؟

بقلم: 

الاخبار الفلسطينية ليست جيدة على الاطلاق هذه الايام، سواء كان مصدرها السلطة الفلسطينية في رام الله، او الاخرى المقالة في قطاع غزة، فالاولى لا تتفاوض، ولا تقاوم، وتبتعد يوما بعد يوم بعدة كيلومترات عن حل الدولتين، وتعيش استيطانا متغولا في اراضيها التي تحكمها ومن المفترض ان تصبح دولة فلسطينية، اما الثانية في غزة فتعيش ازمة مختلفة تتمثل في خلافات بين اجنحتها، تحاول دائما نفيها باستماتة، بسبب انحيازها للمعسكر السني في الازمة السورية، وفوق هذا وذاك لا تقدم على اي اعمال مقاومة للاحتلال ولا تسمح لغيرها بذلك.

الحديث هذه الايام في رام الله ليس عن فشل مبادرة جون كيري وزير الخارجية الامريكي لاستئناف المفاوضات، او اطلاق السلام الاقتصادي مجددا في الضفة الغربية، وانما عن استقالة الدكتور رامي الحمد الله رئيس الوزراء الفلسطيني بعد حوالى اسبوعين من توليه هذه المهمة الصعبة من قبل الرئيس محمود عباس.

العارفون بالسيد الحمد الله، ونحن لسنا من بينهم، يصفون الرجل بالصلابة والنزاهة، والمواقف الوطنية المبدئية، ولذلك استغربوا قبوله هذا المنصب، ولكنهم لم يستغربوا انسحابه السريع منه فغابة المقاطعة في رام الله لا يمكن ان تسمح بوجود انسان بمواصفاته فيها يعيش بين اسودها وضباعها على حد سواء.

لا اسرار في رام الله، فالانباء عن الصدام المبكر بين الدكتور الحمدالله رئيس جامعة النجاح سابقا، والاستاذ الجامعي المرموق، وبين نائبيه محمد مصطفى وزياد ابو عمرو انتشرت بعد ايام معدودة من اداء قسم التعيين امام الرئيس عباس.

الدكتور الحمدالله يريد ان يكون رئيسا فعليا للوزراء، وصاحب القرار الاخير في شؤون وزارته، لكن السلطة تريده ان يكون ‘طرطورا’ او بالاخرى ‘خيال مآتة’ (scare crow) حسب توصيف اخواننا في مصر، ومن هنا كان الصدام حتميا، والاستقالة مؤكدة.

الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء السابق واجه الازمة نفسها عندما اراد اقالة الدكتور نبيل قسيس وزير المالية، معتقدا انه يمارس حقه وصلاحياته حسب القانون الاساسي للسلطة، لكنه فوجئ بالرئيس عباس يرفض قراره هذا، فقرر الرجل الاستقالة فورا ومغادرة الاراضي المحتلة الى الولايات المتحدة الامريكية حيث كان يقيم ويعمل سابقا في البنك الدولي كخبير اقتصادي.

اللافت ان الازمة التي اطاحت بالدكتور فياض بعد سنوات من كظم الغيظ والصمود في موقعه كان سببها وزير المالية، والازمة التي دفعت بالدكتور الحمدالله للهروب من رئاسة الوزارة هي بسبب تدخلات وتجاوزات الدكتور محمد مصطفى وزير المالية لرئيسه واخذ التعليمات من الرئيس عباس نفسه ودون اي اعتبار لرئيس الوزراء.

اولاد الحلال الذين فوجئوا بهذه الضربة القوية للرئيس عباس وسلطته يحاولون التوسط واقناع الدكتور الحمدالله بالتراجع عن استقالته، وحتى كتابة هذه السطور لم تحقق هذه الوساطة اي نجاح.

المشهد الفلسطيني في رام الله وغزة محبط بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والغريب ان الشعب الفلسطيني راض بهذا الوضع وهو الذي كان يعتبر نفسه من اكثر الشعوب العربية تعليما وثورية!

المصدر: 
القدس العربي