التنازل العربي المجاني

بقلم: 

 عادت مبادرة السلام العربية الى مسرح الحدث الفلسطيني. إنه الوقت المناسب للعودة، في ظل الحديث المستجد عن أحياء العملية السلمية، مع الخطوات التي قطعتها الولايات المتحدة في هذا المجال، في إطار ما يبدو محاولة أميركية للتعاطي مع ملفات المنطقة وحلولها كرزمة واحدة.

العودة العربية للمبادرة لم تخل من "الإثارة"، بعدما خرج وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في أعقاب لقائه الوفد العربي الزائر الى واشنطن، ليعلن ان العرب عدلوا مبادرتهم، التي باتت متضمنة قبولاً عربياً لمبدأ تبادل الأراضي مع دولة الاحتلال في إطار الحل النهائي .

التعديل جاء سريعاً، ومن دون الكثير من المقدمات، بل حتى عابراً للإجماع الذي يتطلبه تعديل المبادرة العربية، كما كان عليه الحال في العام 2009، حين فشل القادة العرب في قمة الدوحة في سحب المبادرة أو وضع سقف زمني لها، في غياب الإجماع، وفي ظل الرغبة في عدم إغضاب السعودية، المسجلة المبادرة باسم ملكها عبد الله بن عبد العزيز حين كان وليّاً للعهد.

الوضع اليوم لا يزال على حاله. ونفي التعديل، الذي يصدر من هنا وهناك، حقيقي. إذ إن الإجماع لا يزال غير مؤمّن. لكن ذلك لا يعني، في الوقت نفسه، أن العرب لم يقدّموا تنازلاً مجانياً للراعي الأميركي. تنازل قد يكون مسلماً به ومتعارفاً عليه منذ العام 1995، وهي المرة الأولى التي تم الحديث فيها عن تبادل الأراضي، لكنه يبقى من دون مقابل، وقوبل من سلطات الاحتلال بطلب المزيد من التنازلات.

لم يكن الوفد العربي الزائر إلى واشنطن مخوّلاً تقديم هدايا مجانية إلى الإدارة الأميركية. فوفق قرار القمّة العربية، المنعقدة أخيراً في الدوحة، كانت الغاية من الزيارة وضع جدول زمني لاستئناف المفاوضات وإعلان الدولة الفلسطينية. الخطوات الأميركية في هذا السياق كانت سباقة، والرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته كانا قد بدآ إجراءات فعلية في هذا المجال، على اعتبار أن دفع عملية التسوية حاجة استراتيجية أميركية في المرحلة الراهنة، وهو ما يتقاطع مع الحاجة العربية التي ترى في المسيرة السلمية خياراً استراتيجياً لا حياد عنه.

بين الحاجتين، المختلفتين والمتقاطعتين في الأسباب والنتائج، ظهرت عملية القبول العربي بـ"تبادل الأراضي"، وهو ما عده كيري تعديلاً للمبادرة. التعديل لم يحصل والعبارة لا تزال غير مدرجة في المبادرة لا تلميحاً ولا تصريحاً، لكن مع ذلك فإن واقع مفاوضات مع بعد أوسلو، سواء في واي ريفر أو كامب ديفيد أو لاحقاً في تفاهمات أبو مازن وإيهود أولمرت، كرّست فكرة تبادل الأراضي باعتبار أنها خيار لا مفر منه عند الوصول إلى محادثات الحلّ النهائي. الفلسطينيون أنفسهم، رغم مفاوضتهم على على هذا الواقع، لم يسبق أن قدّموا تعهداً رسمياً بهذا الأمر، وتركوه في عهدة المسار التفاوضي.

التصريح العربي قفز فوق الكثير من المراحل، وقدّم للدولة العبرية نصراً استباقيّاً في عملية التفاوض متمثّلاً في ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة. إسرائيل تلقفت الهدية وبدأت بالعمل على أخرى. بنيامين نتنياهو وزمرته سارعوا إلى رفض "التعديل"، فبالنسبة لهم المشكلة "ليست في الأراضي"، بل بالاعتراف بـ"يهودية الدولة". هذا هو العنوان الجديد للتنازل الذي تسعى إليه إسرائيل في المرحلة المقبلة بمعيّة الولايات المتحدة.

الزيارة العربية إلى واشنطن فتحت باب التنازلات مبكّراً جداً. لم تأخذ أي مقابل من الإدارة الأميركية، ولا إسرائيل، ربما مجرد وعد بإعلان الدولة الفلسطينية ضمن جدول زمني معين على ما سيتبقّى من أراض.

المصدر: 
موقع المدن