اتفاقية القدس: كونفدرالية

بقلم: 

لم تكن هناك مقدّمات لخبر التوقيع الفلسطيني والأردني على ما سمّي اتفاق الدفاع عن القدس، الذي منحت عمّان بموجبه الوصاية رسميّاً على المقدسات في الأراضي المحتلة. الوصاية بحد ذاتها ليست جديدة، هي كانت قائمة منذ نكبة أيار1948، حين كانت الضفة الغربية، ومن ضمنها القدس المحتلة، خاضعة للسلطة الأردنية.

مع نكسة حزيران 1967، جاء الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك بقيت السيادة الأردنية، على المقدسات خصوصاً، اسميّة. لم تصدر في اتفاق علني. حتى بعد فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، في اعقاب إعلان الدولة الفلسطينية في العام 1988. حينها لم يوقع الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، على مثل هذا الاتفاق الذي تم أخيراً بين محمود عباس وعبد الله الثاني، بل أبقى على السيادة الأردنية على المقدسات ضمن تعهد شفوي.

الأمر اليوم أصبح واقعاً مختلفاً، ويفتح الباب على كثير من الاحتمالات التي تقف خلف توقيع مثل هذا الاتفاق، ولا سيما أنه جاء متزامناً، بشكل يثير الريبة، مع المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني، ومع حرص أميركي على لعب عمّان دوراً مفصلياً في مثل هذا الأمر. إذ إن الحديث يجري عن خمسة أطراف رئيسية الان في العملية السلمية، وهي الولايات المتحدة، باعتبارها الراعي الرسمي، وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، مع دخول الأردن وتركيا كراعيين إضافيين.

الربط بين الاتفاقيّة والعملية السياسية يقود إلى الحديث القديم المتجدّد عن الرغبة الإسرائيلية في التخلص من الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق ربط الأولى بالأردن وترك إدارة الثانية لمصر، تماماً كما كان عليه الوضع قبل العام ١٩٦٧، لكن ضمن خيار كونفدرالية تبقي على مسمى الدولة الفلسطينية.

يبدو ان مثل هذا الخيار يداعب المخيلة الأميركية في سعيها لإحياء العملية السلمية، ولا سيما ان أي دولة فلسطينية ستقوم في المستقبل، وفق اتفاق مع إسرائيل، لن تحمل كامل مقومات الدولة، سواء لجهة السيادة السياسية والعسكرية على مختلف أراضيها، أو القدرة العسكرية للدفاع عن نفسها، وبالتالي فالارتباط مع دولة أخرى يعطي مشروعية أكبر للكيان الفلسطيني الناشئ.

الاتفاق الأردني الفلسطيني لم يكن بمعزل عن الضوء الأخضر الأميركي، الذي يربط بشكل مباشر بينه وبين نقطتين أساسيتين في العملية التفاوضية، قد يساهم الاتفاق في تخطيهما.

النقطة الأولى والاهم، هي تلك الخاصة بالقدس المحتلة والسيادة عليها وعلى الأماكن المقدسة، وهي التي ساهمت في تفجير مفاوضات كامب ديفيد في العام ٢٠٠٠. فوفق الاتفاق الحالي، يجري الحديث عن حل متوافق عليه في ما يخص القدس. الحل يتضمن إشرافاً اردنياً على المقدسات الإسلامية، وهو ما بات ضمن اتفاق موقع، على ان تبسط السلطة الفلسطينية سلطتها على البلدات الفلسطينية المتاخمة لشرق القدس المحتلة، على غرار ابو ديس وغيرها، واعلانها عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة.

الخيار الكونفدرالي ممكن ان يساهم في تجاوز عقدة ثانية في التفاوض بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. إذ ان بنيامين نتنياهو يصر على تواجد عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية، ولا سيما غور الأردن، لاعتبارات أمنية، وهو ما ترفضه السلطة الفلسطينية. التسريبات الأخيرة في ما خص هذا الخلاف، تشير الى شبه توافق على تواجد طرف ثالث في هذه المنطقة. وبعدما كانت التقديرات في البداية تتحدث عن قوة أطلسية، فان لا إشارة اليوم الى طبيعة هذا الطرف، الذي من الممكن ان يكون اردنياً. مثل هذا التواجد يرضي الطرفين.

من الناحية الإسرائيلية، تجمع كل التقديرات الاستخبارية الى تطابق الرؤى مع عمان وفق تقدير ان "أعداء إسرائيل هم أعداء المملكة الأردنية، وأعداء المملكة هم أعداء إسرائيل"، بحسب ما ورد في تقدير المخاطر الاستراتيجية لصحيفة "اسرائيل اليوم" قبل أيام، في إشارة الى المخاوف من المد الإسلامي الذي تعيشه الدول العربية. بناء على هذه الرؤية، فإن التواجد الأردني في الغور يثير ارتياحاً لدى الدولة العبرية، وخصوصاً ان جهة الحدود الأردنية كانت الأهدأ منذ العام ١٩٧٠. أما فلسطينياً، فإن التواجد الأردني، وفق الخيار الفدرالي، لن يمثل خرقاً "للسيادة الفلسطينية"، الذي كان يرفعه عباس شعاراً لرفض التنازل عن السيطرة على منطقة الغور.

الاتفاق الأردني الفلسطيني، وفق هذه المعطيات، ليس مجرد إجراء شكلياً لتثبيت امر متفق عليه، بل يأتي ضمن استراتيجية أوسع ستترك آثارها على خريطة المنطقة ومسار الصراع فيها.

المصدر: 
موقع المدن