حماس تهلّل لتركيا؟

بقلم: 

 

 كانت المصالحة التركية الإسرائيلية حدثاً. نجح الرئيس الأميركي باراك أوباما في إعادة حبال الود المقطوعة بين تل أبيب وأنقرة. الإنجاز بارز ومردوداته ستظهر في القريب. لكن على هامش الحدث برزت معطيات لا تقل مدلولاتها أهمية عن الحدث نفسه، وربما تعطي صورة عن مسار أكثر من ملف في المرحلة المقبلة. عنوان الحدث الجانبي اسمه "حماس".

 

الحركة الإسلامية، وفور الإعلان عن الاعتذار الإسرائيلي إلى تركيا، سارعت إلى التهليل لإنجاز رجب طيب أردوغان. مسؤولوها لم يوفروا تعبيراً إلا واستخدموه في مديح الانتصار التركي. "الموقف التركي الصامد أجبر إسرائيل على أن تخر راكعة أمام صلابة الإرادة" (عزيز دويك)، "الصحوة الاسلامية من حول الكيان الإسرائيلي لها تأثير كبير في الاعتذار"(محمود الزهار)، "تركيا نجحت في فرض شروطها على الكيان الصهيوني وإرغامه على الرضوخ والإذعان، فهي من المرات القليلة التي يضطر فيها الكيان الصهيوني للاعتذار عن جريمته" (خالد مشعل).

هذه نماذج من موقف "حماس" من الاعتذار الإسرائيلي، الذي أسّس عمليّاً لعودة العلاقات بين تركيا والدولة العبرية، واستئناف التبادل التجاري والتنسيق العسكري. ما بنت عليه الحركة الإسلامية لم يظهر له أثر بعد. فالاعتذار، وإن تم، إلا أنه لم يرفق بكل ما طالبت به الحكومة التركية. التعويضات لأسر شهداء السفينة "مافي مرمرة" لا تزال في المرحلة الأولى للتفاوض، وستكون خاضعة لكثير من الشد والجذب. والحصار لم يرفع بعد عن القطاع، وإن تم تخفيفه في الأيام الماضية.

 

تهليل "حماس" لم يكن لـ"الانتصار" بقدر ما هو تعبير عن المنحى الجديد الذي أخذت تتحول إليه الحركة منذ انطلاق الربيع العربي، وصعود حركات الإسلام السياسي، التي ترى "حماس" نفسها جزءاً منها، إن لم تكن سبّاقة فيها، باعتبارها أول فصيل إسلامي يصل إلى الحكم بانتخابات ديموقراطية. وبما أن تركيا هي النموذج القدوة للحكم الإسلامي، على الأقل بالنسبة إلى هذه الحركات، فإن براغماتية "العدالة والتنمية" تسرّبت إلى "حماس"، التي بات لها موقف مختلف من مسألة العلاقة مع إسرائيل يناقض ميثاقها التأسيسي.

 

موقف من الممكن أن ينسحب على عملية التسوية، التي يسعى الأميركيون، بمؤازرة عربية، إلى إعادة إحيائها من دون أن يكون لها تأثير على مسار المصالحة الفلسطينية. القمة العربية في الدوحة، قبل أيام، وضعت المسار الملائم لهذا الأمر، ولعلها استرشدت بموقف "حماس" من المصالحة التركية الإسرائيلية وكم الإشادات التي قيلت. القمة تبنّت اقتراح أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لعقد قمة مصغّرة دائمة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وفي الوقت نفسه أكدت على مبادرة السلام العربية، وأرسلت وفداً إلى مجلس الأمن "للاتفاق على آليات وفق اطار زمني محدد لاطلاق مفاوضات جادة".

في السابق، لم تكن المصالحة الفلسطينية وعملية التسوية تجتمعان تحت سقف فترة زمنية واحدة. مع الجمود التفاوضي كانت محاولات إنهاء الانقسام تتحرك، ومع أي تلميحات لإمكان استئناف التفاوضات، كان التجميد يصيب مساعي لمّ الشمل. هذا ما حدث قبل وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المنطقة، بعدما كان الفلسطينيون اتفقوا على إجراءات تسجيل الانتخابات وتأليف حكومة وحدة وطنية.

اليوم غادر أوباما بعدما بذر نواة عودة التفاوض من باب "الاستشراف". بذرة تلقفتها القمّة العربية للبناء عليها، لكن مع إتمام المصالحة. المهمة قد لا تكون صعبة بعد "التجربة التركيّة"، فبراغماتيّة "حماس"، وحساباتها السياسيّة الجديدة، قد تدفعها أيضاً للتهليل لعمليّة التسوية ومصالحة إسرائيل.

 

 

 

المصدر: 
موقع المدن