«تنظيم الدولة» للإنتاج السينمائي

تنظيم الدولة

بقلم: تسفي بارئيل

حذرت قيادات الجيش الامريكي الذي تعمل قواته ضد تنظيم الدولة في العراق وفي سوريا، هذا الاسبوع كل رجالها من مغبة الاستخدام الزائد للشبكات الاجتماعية والبريد الالكتروني ـ الكشف عن تفاصيل مكان سكنهم، حياتهم الخاصة وبالطبع مناصبهم العسكرية. وجاء التحذير ببعض التأخير: ففي الشهر الماضي نشرت عشرات المواقع التي تعمل باسم تنظيم الدولة قائمة من مئة ضابط وجندي امريك، بينهم طيارون وقادة وحدات، والى جانبها صورهم وعناوينهم ودعوة «الاخوة المؤمنين» إلى قتلهم. في الماضي نشرت القاعدة قوائم مشابهة أجبرت الجيش الامريكي على اعادة جنودها خوفا على حياتهم، ولكن النشر الحالي اكثر تفصيلا وعلى ما يبدو أكثر دقة ايضا.

هذا النشر هو جزء من معركة متفرعة يخوضها التنظيم الذي بدأ بالعمل قبل ان يترسخ في العراق وفي سوريا. ويدير هذا الفرع بالاساس مركز «الحياة» الذي تأسس في 2014 ويترأسه أحمد أبو سمرة، شاب مسلم من مواليد فرنسا نشأ في بوسطون وتعلم تكنولوجيا الحواسيب في جامعة نورث ايستن.
ومنذ العام 2012 نشر مكتب التحقيق الفدرالي الـ اب.بي.اي امر اعتقال ضد ابو سمرة بل وعرض جائزة بمبلغ 50 الف دولار لكل من يقدم معلومات تؤدي إلى اعتقاله. ويبدو اليوم أنه يعيش في سوريا ويدير من هناك المركز بمساعدة مجندي تنظيم الدولة. والى جانب ابو سمرة يوجد الالماني دنيس كوسبرت، الذي تبنى الاسم السري ابو طلحة الالماني، ويعمل على تلحين الاغاني الاجهادية التي تصدر في موقع التنظيم وفي كتابة كلماتها.
«الحياة» هو مثابة جهاز أعلى في اطاره تعمل اذرع الدعاية والاتصالات مثل الصحيفة الانترنتية بالانجليزية «دابيك»، شركات الانتاج «الاعتصام» و «الفرقان»، موقع اخبار الدولة الإسلامية، محطة اذاعة بالعربية ومؤخرا بالانجليزية ايضا. ليس معروفا كم مهنيا يتضمن هذا المبنى الذي يعتمد اساسا على الاجانب الناطقين بالانجليزية، الفرنسية، الروسية والاوردو. وبالتوازي تعمل منظمات دعاية محلية يسيطر عليها تنظيم الدولة. هكذا تعمل «مكاتب اتصالات» في مدن الرقة وحلب في سوريا، والانبار، اركا وديالي في العراق؛ ولـ «المحافظة الصينية» توجد منظومة اتصالات خاصة بها وكذا لفرع التنظيم في شمال افريقيا. كل فرع كهذا يعمل بشكل مستقل ولكنه ينسق ويتشاور مع المهنيين في سوريا أو في الدول الغربية. بعض من المواقع تنشر مضامينها بعدة لغات وبعضها يكتفي بالعربية. عشرات المواقع المستقلة تجندت هي ايضا لتسويق المضامين التي ينشرها تنظيم الدولة، والى جانبها عشرات الاف الفيسبوك والتويتر.
وحسب شهادات نشطاء تنظيم الدولة، فان المضامين التي ترفع إلى مواقع الانترنت للتنظيم تجتاز فحصا مهنيا دقيقا، سواء من ناحية لغوية أم من ناحية فنية وبصرية. محررون لغويون يمرون على المضامين كي يتأكدوا من الدقة السليمة، وان اللغة غنية ومتنوعة والصياغات مقنعة. واحيانا يعقد مركز الحياة وفروعه مجموعات تركيز للناطقين باللغات الاجنبية لضمان أن تكون المضامين نقية من التعابير الهازئة او الركيكة حتى لا تثير السخرية. ويجمع القسم البصري في معظمه بكاميرات تلفزيونية صغيرة او بالهواتف الخلوية، ولكنه يجري احيانا استخدام كاميرتين او ثلاثة معا لمنح الصورة عمقا. وفي الافلام تدمج ايضا مقاطع من افلام حرب هوليوودية، صور ثابتة لا ترتبط بالضرورة بعمل تنظيم الدولة ومقاطع صوتية لتعزيز الاثر الدراماتيكي. يحتمل ان يكون جزء من أعمال التحرير والدمج تجري في شركات غربية وليس في مراكز تنظيم الدولة في الشرق الاوسط.
اضافة إلى المواقع وحسابات الفيسبوك، يستخدم تنظيم الدولة التويتر على نحو واسع للغاية. وحسب بحث أجراه معهد بروكنز في واشنطن، ففي شهري تشرين الاول والثاني 2014 عمل ما لا يقل عن 64 الف حساب تويتر تماثلت مع التنظيم. وحسب واضع البحث، ج.م.بيرغر وجونتان مورغن، فهذا تقدير متحفظ ويحتمل أن يصل عدد الحسابات إلى 90 الف. نحو الف ـ الفين من هذه الحسابات نشطة للغاية وتجتذب اكثر من الف متابع. ومن عينة نحو 20 الف حساب يتبين أن أغلبية المسؤولين لهذه الحسابات ممن كشفوا عن مكانهم جاءوا من السعودية، وبعدها من سوريا والعراق، والمكان الرابع من الولايات المتحدة؛ ويفضل معظم المستخدمين الكتابة بالعربية ونحو خمسهم بالانجليزية.
صحيح أن المعطيات مثيرة للانطباع، الا انها لا تشهد بالضرورة على مدى تاثير تويتر على حجم التجنيد لتنظيم الدولة، والاهم من ذلك، على مدى استعداد اصحاب الحسابات للمشاركة عمليا في العمليات او في القتال مع التنظيم. بعض من الحسابات المرتبطة بتنظيم الدولة يقيمها معارضوه، بهدف السماح لاجهزة الاستخبارات بمتابعة المضامين التي تنقل فيها والعثور على النشطاء الحقيقيين. ومن هنا تنبع المعضلة المتعلقة بسياسة التصدي للحسابات: هل اغلاقها بشكل منهاجي ام تركها تعمل وهكذا انتزاع معلومات اخرى عن نشطاء التنظيم واماكنهم.
ان المضامين التي ينشرها تنظيم الدولة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات اساسية: التجنيد، الترويج والتبليغ. ويتم اختيار وسيلة الاتصال وفقا للرسالة: التجنيد يتم اساسا من خلال الفيسبوك. الترويج محفوظ لمواقع الانترنت حيث تنقل الخطب والمواعظ للشيوخ العاملين من أجل تنظيم الدولة وافلام تعرض النشاط المدني للتنظيم. وهكذا، في اعقاب اعدام الطيار الاردني معاذ الكساسبة حرقا، اقتبس التنظيم فتاوى ومقاطع من الحديث تؤيد الفعلة. وينشر تنظيم الدولة في مواقعه معلومات عن نوايا الهجوم كي يحرك مؤيديه، وتستخدم المواقع ايضا لنشر التعليمات للمدنيين، اوامر وتعليمات للسلوك المناسب وبالطبع العقوبات المفروضة على من يخرجون عن الطريق السليم. اما نقل المعلومات والبلاغات فيتم اساسا من خلال التويتر.
مدماك آخر للنشاط الافتراضي هو محلات الانترنت التجارية حيث يمكن للمؤيدين ان يشتروا بضائع تنظيم الدولة مثل القبعات، قمصان الاكمام القصيرة، العاب الاطفال، الإعلام والبزات. والمداخيل من المبيعات تنقل إلى صندوق التنظيم وتضاف إلى مصادر الدخل الاخرى ـ بيع النفط، جباية الضرائب، فرض الرسوم والفدية لقاء المخطوفين.
وهكذا يخلق تنظيم الدولة طائفة واسعة النطاق تجد الدول العربية والغربية صعوبة في ايجاد رد افتراضي مناسب لها. بعض المواقع الامريكية وان كانت تقوم بمحاولة للهزء من تنظيم الدولة أو تشجيع المسلمين على شجب التنظيم، الا ان هذه لا تزال بعيدة عن أن تشكل خصما موازنا. السؤال الذي لا يزال قيد الاختبار هو كم سيؤثر الانتصار العسكري على تنظيم الدولة، في العراق او سوريا على حجم هذه الطائفة.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م