الطرفان استخلصا التعادل

حماس

1.لا حاجة الى التأثر باحتفالات نصر حماس في غزة. فقد «انتصروا» أيضا في «عمود السحاب»، وانتصروا في «الرصاص المصبوب». والحقيقة هي أني لا أذكر متى لم ينتصروا. فهم منتصرون من الـ 1948 وحتى اليوم، على التوالي. في 1948 قرروا اللقاء «بعد اسبوعين» في تل أبيب، وفي الـ 1967 احترقت تل أبيب. وفي الـ 1973 أمسكوا بنا متلبسين بالجرم المشهود. ومن شدة ما انتصروا، فانهم ينزلون على شعبهم بمصيبة شديدة، يزرعون الدمار والموت، يتخبطون في أوحالهم وبالكاد يخرجون منها حين يزول الخطر كي يقفوا مرة اخرى امام المصيبة هاتفين ملوحين بقبضاتهم في الهواء وبشارات النصر البهيجة. تعالوا نتمنى لحماس مزيدا من مثل هذه الانتصارات.

2.تكتيكيا، يوجد لاسرائيل انجاز غير صغير في وقف النار هذا (على فرض أن يستمر). والحظوة الاساس يستحقها الوفد الاسرائيلي الى المفاوضات، واساسا الى رئيس المخابرات يورام كوهين، منسق اعمال المناطق، اللواء يوآف (فولي) مردخاي وعاموس جلعاد الذي يعد اللقب الاكثر ملاءمة له هو «رجلنا في القاهرة»، ثلاثة خبراء في الشؤون العربية «عكاريت» – نجحوا في خلق جسر صلب مع المصريين ودفع حماس الى الاتفاق الاخير.

وحتى بعد أن اعيد الوفد، بعد خرق وقف النار، كان واضحا بان المفاوضات مستمرة. وكانت مستمرة كل الوقت. يوم السبت والاحد تحقق تقدم طويل. ولكن في حماس كانوا لا يزالون يترددون. وفي الليلة بين الاحد والاثنين كان هذا منتهيا. فالضربات التي تلقتها حماس في الايام الاخيرة «ساعدت» هنية وضيف على ان يجرا معهما مشعل، وهو يركل بيديه وقدميه، الى اتفاق لم يعطِ حماس اي شيء. لا ميناء، لا مقر، لا رواتب، لا زيادة مجال الصيد ولا حتى تقييد وقف النار بالزمن. فقد خرجوا وايديهم على الرأس. من يطلع على المادة الاستخبارية يعرف بان الحقيقة أشد من ناحية حماس.

وعليه، ففي المستوى التكتيكي، لا ريب أنه يوجد هنا انجاز اسرائيلي. كما أن حقيقة أن المفاوضات للترتيب لن تجري تحت النار منطقية. فكونه لن يوجد في القيادة الاسرائيلية من يأخذ المسؤولية ويسير نحو الحسم، فمن الافضل وضع حد للمعاناة المتبادلة وانهاء الامر. وهذا ما فعلناه.

3.ماذا عن المستوى الاستراتيجي؟ هنا نصل الى الجزء غير اللطيف. فاسرائيل بالذات درجت على أن تنتصر على اعدائها كل مرة. ولكن هذه الايام انتهت ولم تعد. اسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بان تخسر. والخسارة الاولى ستكون الاخيرة. المشكلة هي أنه في الزمن الاخير اعتدنا اكثر مما ينبغي على استخلاص التعادل. بل وممن؟ من منظمة ارهابية بحجم ربع حزب الله تتمترس في قطاع محاصر بعرض ثمانية كيلومتر.

مع مثل هذه العصبة نحن نقاتل منذ خمسين يوما، فيما يتلقى الاقتصاد ضربة، تنهار السياحة ومنطقة كاملة يهجرها سكانها، ويخترق نمط الحياة العادية لمعظم الدولة، وتضيع اجازة الصيف بينما يقعد الجميع حتى اللحظة الاخيرة وهم يقضمون اظافرهم حول مسألة اذا كان خالد مشعل سيتفضل أخيرا علينا بالموافقة على وقف اطلاق النار. هذا ليس نصرا. النصر، قال أمس افيغدور ليبرمان لا يحتاج الى التفسير. فهو يفسر نفسه بنفسه. إنه محق.

4.أنا لا أتأثر بحقيقة أن بيبي أقر وقف النار دون الكابنيت. فقد اعطى أعضاء الكابنيت الالهام للوفد الاسرائيلي للتوصل الى وقف النار. لا حاجة للتصويت المتجدد. ناهيك عن أن اسرائيل لم تكن مطالبة بان تدفع أثمانا مقابل وقف النار. صحيح أن ليبرمان، بينيت، اهرنوفيتش وربما ايضا أردان قاموا أمس بجولة صغيرة على نتنياهو ولكن هذه ليست مشكلتي مع وقف النار. المشكلة هي اكثر مبدئية بكثير.

لقد انتخب بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء على اعتبار أن «أنا فقط يمكنني أن اعالج حماس». في منتهى «الرصاص المصبوب» نقل 3 – 4 مقاعد من الوسط السياسي يمينا، اليه، بفضل الوعد «انا، خلافا للحكومة الحالية، لن اقول للجيش الاسرائيلي توقف، أنا سأدخل الى غزة واسقط حكم حماس». كان محزنا أن نرى أمس يوفال شتاينتس أمس يتلوى امام هذا السؤال في القناة 2. رجل مستقيم هو شتاينتس. وانا أعرف بيقين ما الذي يفكر فيه حقا في هذا الموضوع.

5.في ذروة «الجرف الصامد» أعلن نتنياهو بان اسرائيل لن توقف الحملة الى أن يتحقق «تجريد غزة». إذن، جيد. هو سيجرد غزة بعد دقيقة من قصفه النووي الايراني. الحقيقة هي أن نتنياهو حاول تجريد غزة بدهاء: السماح لغزة بان تطلق كل ما لديها على اسرائيل الى أن يتحقق التجريد الكامل. وكاد ينجح. خسارة أن هذا انتهى قبل الاوان.

ولكن توجد نقاط خلل قاسية في وقف النار هذا: فهو لا ينص على حق اسرائيل في العمل بالمقياس الامني (في القاطع المجاور للجدار). وهو لا ينص على حق اسرائيل في العمل ضد الانفاق «في الزمن الحقيقي» او ضد التعاظم مثل بناء مصنع جديد للصواريخ.

في تجولي بين قادة الالوية في الميدان كان هذا ما طلبوه: السماح للجيش الاسرائيلي بامكانية منع حماس من التعاظم مرة اخرى. وبالفعل لا توجد للجيش الاسرائيلي مثل هذه الامكانية. وأود أن أرى رئيس الوزراء يخرق الهدوء الذي تحقق بعد خمسين يوما، لان رئيس شعبة الاستخبارات اللجوج أو رئيس المخابرات الملح جلب معلومات عن نفق جديد. فليحفروا، سيقول رئيس الوزراء لنفسه، أنا افضل الهدوء. من اين اعرف؟ لان هذا بالضبط ما حصل حتى الان.

6.وبمناسبة الهدوء: نحن مدمنون عليه. لقد أدمنت اسرائيل على مدى سنوات طويلة على هذا المخدر القاسي الذي يسمى بعض الهدوء. الموضوع هو أنه مثلما في كل ادمان، في كل مرة يحتاج الجسم الى كمية أكبر كي يهديء النوبة.

كوننا نفضل الهدوء على الحل الحقيقي للمشكلة، فاننا نلتقي في كل مرة حماس أكثر قوة، اكثر تصميما، اكثر تسليحا وأكثر شدة، وعليه فانه يكلفنا اكثر تحقيق الهدوء الذي بدونه نجد أنفسنا غير قادرين على اداء مهامنا. محزن.

7.هاكم اجمال بسيط لحملة «الجرف الصامد»: 50 يوم قتال. 40 جندي قتيل. 6 مدنيين قتلى. مئات الجرحى. بلدات مهجورة. سياحة منهارة. اقتصاد ينزلق الى الركود. كل هذا مقابل مزيدا قليلا من الهدوء. حملة «عمود السحاب» كانت أرخص بكثير. «الرصاص المصبوب» وفرت هدوء أكثر بكثير. مضحك التفكير الان بان بعضا منا كانوا قبل سنتين مقتنعين بان نتنياهو كان يعتزم مهاجمة ايران.

 

بن كسبيت

معاريف الاسبوع