لا سلام مع العرب

الحرب

بقلم: آريه إلداد

كم كتب من قبل عن الحاجة الى ردع أعدائنا كي لا يتجرأوا على المس بنا؟ وبرغم طوفان الكلمات وبرغم كل القوة التي استعملت – تنجم دائما منظمة عربية متطرفة جديدة تحاول أن تقتل منا مرة اخرى. فلا يوجد ردع في ظاهر الامر. وتنتهي كل عملية أو حرب قمنا بها في السنوات الاخيرة الى شعور باضاعة فرصة يرى أننا كنا نستطيع أن نسقط وندمر ونقضي لكننا وقفنا في نصف الطريق. فلو لم نوقف الجيش الاسرائيلي فقط لأحرزنا النصر.
صيغت واحدة من أساطين تصور أمننا القومي في مقالة جابوتنسكي «عن الجدار الحديدي». وبعد ذلك – ودون أن يعترف بن غوريون بذلك – تبنى هذا التصور. فالسلام يمكن أن يأتي فقط حينما ييأس أعداؤنا من أمل القضاء علينا.
بيد أن هذه المعادلة ولدت في أذهان خريجي المدرسة الاوروبية في التفكير المنطقي. وكما يحاول هُذاة السلام في اليسار الاسرائيلي أن يخالفوا الواقع ويحاولوا فرض منطقهم على أعدائنا، يفعل ذلك بالضبط ايضا من يصوغون السياسات والمفكرون من اليمين. يجب اعادة النظر في أمل أن تردع قوتنا الضخمة أعداءنا وأن يأتي السلام بذلك. فقد كان الردع المتبادل يمكن أن يوجد بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في ايام الحرب الباردة لأن هذه وتلك كانتا تملكان آلاف رؤوس الصواريخ الذرية التي تكفي للقضاء على العالم كله، ومكّن المنطق المشترك بين الطرفين الردع. لكن من يعتقد أن ذلك سيكون المنطق الايراني وأنهم لن يستعملوا السلاح الذري اذا امتلكوه يتجاهل امكانية أن دولة كايران تستطيع أن تتصرف في صعيد الدولة مثل مخرب منتحر في الصعيد الشخصي. لأنه اذا كان الهدف «أكبر من الحياة» فربما يمكن، بل ربما يكون من الخير، التضحية بالحياة أو بالدولة لقتل اليهود أو للقضاء على اسرائيل.
وهكذا الحال ايضا في حرب تقليدية. فان انتصار اسرائيل الأعظم في تاريخها كله – هزم الدول العربية في حرب الايام الستة، لم يمنع عبد الناصر والاسد من بدء حرب الاستنزاف بعد انتهاء المعارك في حزيران 1967 بأيام معدودة، وبدأ قادة سوريا ومصر يبنون جيشيهم مجددا ويُعدونهما للحرب القادمة. فاذا لم تكن هزيمة حاسمة كهزيمة الايام الستة ردعتهم فما الذي يردعهم؟ واذا لم تُعلم خسارة عظيمة لاراض في الحرب الدول السليمة العقل درسا فما الذي يردع قليلي الشأن من حماس أو داعش؟.
يقول اليسار اليوم – كما قال دائما – إنه يجب أن يوجد «حل سياسي». وتنازلات عن اراض تفضي الى سلام. ويتجاهلون أن الحرب بيننا وبين العرب ليست صراعا على الارض ولهذا لا يوجد لها دواء من الارض. فالحروب الدينية لا تُحل برسم خط حدود على الخريطة.
ويقول اليمين اليوم – كما قال دائما – إنه يجب أن يوجد «حل عسكري»؛ بالهزم والاسقاط وقطع رؤوس الثعبان، وهم يتجاهلون أن الحرب لا تجري بين شعوب أو قادة لهم المنطق نفسه والقيم نفسها والاهداف العليا نفسها.
فما الحل مع عدم وجود الردع ومع عدم وجود السلام؟.
إننا باعتبارنا بشراً نطمح الى التحكم بمصيرنا. والى أن نحيا عالمين بأن ما نفعله أو لا نفعله يحدد مصيرنا الى الحرب أو الى السلام. ولا نقبل بصورة سهلة امكان أن تستمر الحرب على كل حال وألا يوجد سلام مع العرب أبدا. وأعلم بصفتي طبيبا أنه لا دواء للامراض الأكثر وجودا. فنحن نعرف كيف نعالج مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم لكننا ما زلنا لا نعلم الى الآن كيف نشفي منهما. فالسعي الى «حل» هو وهْم. والسلام، مثل «هزم العدو» أو ردعه عن كل محاولة للمس بنا – أفيون الشعوب. وتعلمون أن مسكنات الآلام ضرورية لعلاج الألم لكنها غير كافية للشفاء. ولهذا لا يجب أن يكون «حل الصراع» هو هدفنا السياسي بل الصيغة أو الصيغ التي تُمكننا من أن نحيا، أو أن نحيا بصورة طيبة اذا أمكن. أما الأوهام التي تنتهي الى الانفجار فليست وصفة صالحة لاحراز هذه الأهداف.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م