محادثات القاهرة

غزة

تسفي برئيل

إن مصطلح «تسوية» هو منتوج لغوي فارغ آخر ولد في غزة. فليس للتسوية في ظاهر الامر نفاذ اتفاق لكنها توجب تفاوضا تلزم نتائجه مثل اتفاق لكن دون العقوبات القانونية على نقض اتفاق كما يبدو. ويرمي هذا المصطلح المرن كما يبدو الى أن يحل محل مصطلح «تفاهمات» الذي يثير الرعب عند غير المهيئين للتوصل الى «تفاهمات» مع منظمات ارهابية فضلا عن «اتفاق»، يعني اعترافا كاملا بالطرف الآخر لا بصفته مساويا في المكانة فقط بل بصفته يمكن الاعتماد عليه للوفاء بالاتفاق. فالاتفاق هو من شأن السادة المهذبين، أما «التسوية» فيقوم بها لصوص الخيل.

إن الشعور بعدم الثقة بين اسرائيل وحماس متبادل، لكن حماس فقط تطلب ضمانات عربية ودولية لتنفيذ كل «تسوية». وستكتفي اسرائيل التي لا تعتمد أصلا على ضمانات عربية ولا تريد أن تضمن دول الغرب سلوك حماس لأنها بذلك ستحظى باعتراف دولي بها، ستكتفي مع ما في ذلك من المفارقة بضمانات تمنحها مصر لها. وهذا من المفارقة لأن اسرائيل تفترض أن موقف مصر من حماس خاصة ومن غزة عامة مقطوع عما يجري في المناطق أو في الشرق الاوسط. وأن مصر، التي تظهر الآن فقط بكامل فخامة شأنها على المسرح السياسي العربي، لن تطمح الى استغلال تدخلها في غزة للدفع قدما بمسيرة السلام العامة التي فرّت اسرائيل منها مُخلفة عمود دخان.

والمفارقة المنطقية المصرية الاخرى هي أن تفاهمات «عمود السحاب» التي وقع عليها في 2012، أُحرزت تحت حكم الاخوان المسلمين، و»التسوية» التي ستحرز الآن ستكون تحت حكم عبد الفتاح السيسي العدو اللدود للاخوان المسلمين ولحماس. وقد اعتمدت اسرائيل خاصة على نظام محمد مرسي ليكف جماح حماس لأنه من الاخوان المسلمين ولأنه كان يرأس الدولة التي تسيطر على أهم شريان حياة لغزة وهو معبر رفح، ويحل لنا ايضا أن نذكر أن الفريق السيسي قد بدأ تحت إمرة مرسي خاصة يدمر الانفاق بين غزة وسيناء. والسؤال الآن هل يستطيع السيسي أن يضمن سلوك حماس في وقت تراه حماس (وسائر الفصائل) متعاونا مع اسرائيل؟ إن شهادة التأمين الاسرائيلية هنا ايضا في ظاهر الامر هي سيطرة مصر على معبر رفح.

لكن توجد مشكلة صغيرة لكنها قابلة للانفجار. فقد عرّفت مصر والفلسطينيون (ومنهم محمود عباس) معبر رفح بأنه شأن يخص مصر والفلسطينيين ليس لاسرائيل موطيء قدم فيه. وصحيح أن مصر لم توقع على اتفاق المعابر في 2005 الذي يحدد ترتيبات الرقابة على مرور ناس في المعبر، ولهذا فانها حرة في ظاهر الامر أن تفعل ما شاءت. لكن السلطة الفلسطينية واسرائيل موقعتان على الاتفاق الذي يقضي في ضمن ما يقضي بأن يكون في المعبر مفوضية للاتحاد الاوروبي تراقب صلاح السلوك في المعبر. وكان ذلك الضمان الدولي الذي حصلت عليه اسرائيل، وقد تجد نفسها الآن بلا هذا الضمان. والحقيقة أن ذلك ليس فظيعا لأن الرقابة الاوروبية كانت أصلا رقابة ظلال مهذبة مؤدبة لم تعتمد اسرائيل عليها.

لكن ليس الشأن الرسمي هو المهم هنا بل التعلق الاسرائيلي بسلوك مصر في المعبر. يبدو أن اسرائيل تفترض أن منظومة العلاقات القائمة بين حماس ومصر ستكون سورا واقيا أبديا وأن التعاون العسكري بين مصر واسرائيل على محاربة المنظمات الارهابية التي تعمل في سيناء ينشيء حلفا بين إخوة.

إن السيسي لم يكد يبدأ نوبته وما زال يحظى بدعم وشرعية. ويجب أن نتمنى له النجاح والصحة، لكن ليس من الفضول أن نفحص عما سيحدث اذا لم ينجح في مدة معقولة في الوفاء بجزء كبير من وعوده لجمهوره.

إن الشريك الآخر في التفاوض في مصر هو محمود عباس، الذي يحظى بدعم مصري كبير ويحظى في المدة الاخيرة ايضا بهزة رأس مترددة من اسرائيل. فقد أصبح فجأة شريكا لكن في الامور الادارية فقط لا في المسيرة السياسية لا سمح الله. وعباس أو مبعوثه عزام الأحمد على الأصح الذي أجرى التفاوض في المصالحة بين فتح وحماس ورئيس الاستخبارات ماجد فرج وهو نفسه لاجيء ترعرع في مخيم اللاجئين الدهيشة وأمضى ست سنوات في السجن في فترات مختلفة، يمثلون ايضا مطالب حماس التي تشمل رفع الحصار عن القطاع من جهة اسرائيل ومن جهة مصر ايضا؛ والافراج عن السجناء؛ والاذن بالصيد على بعد 12 ميلا عن ساحل غزة؛ وتعمير القطاع ومطالب اخرى. ويحتاج كل ذلك الى موافقة اسرائيل في حين أن مصر غير مبالية بها ما عدا فتح معبر رفح، لكن مع عدم حضور اسرائيلي في التفاوض قد تكون النتيجة اتفاقا مصريا فلسطينيا يحصل على مباركة المجتمع الدولي وربما على اعتراف الامم المتحدة ايضا. وتخطيء اسرائيل اذا افترضت أنها تستطيع أن تتجاهل الاتفاقات التي ستتخذ مع عدم وجودها أو أن تتحلل منها بزعم أنها لم تشارك في المباحثات.

هآرتس