السعي إلى الحسم

السعي إلى الحسم

ستة أقانيم عن الوضع

1.عدم مساواة استراتيجية: بعد اسبوعين من المواجهة بين اسرائيل وحماس، في اثنائها اطلق نحو 1.500 صاروخ على مدن وقرى اسرائيل وجرت نحو 3.500 غارة جوية على قطاع غزة نشأت عدم مساواة استراتيجية بين اسرائيل وحماس. وتبين عدم المساواة قبل كل شيء من أن حماس تعمل حسب مبادىء المنظمة الارهابية التي تطلق النار دون تمييز على المدنيين. اما اسرائيل، بالمقابل، فمقيدة حسب القانون الدولي بالعمل ضد اهداف عسكرية في ظل محاولة الامتناع عن المس بالابرياء.

اضافة الى ذلك يوجد عدم تماثل في غاية المواجهة وفي تعريف «النصر»: يمكن لحماس أن تدعي بانها شوشت نظام الحياة في اسرائيل كلها، مست باقتصادها وبعلاقاتها الخارجية ولم تهزم. في ضوء عدم المساواة في علاقات القوى العسكرية، فان عدم الهزيمة هي من ناحيتها انتصار. وعليه فان «صورة الانتصار» سهلة المنال: مواطنون ينبطحون على الاسفلت في قارعات الطرق في البلاد مع سماع الصافرات التي تحذر من اطلاق الصواريخ، وصور الجنود الذين سقطوا في المعركة في أطر سوداء في الصحف. اما اسرائيل من جهتها فمطالبة بان تلحق ضربة شديدة جدا بحماس كي تحقق اهدافها الاستراتيجية.

من جهة اخرى، تتمتع اسرائيل بجودة عالية بلا قياس مع حماس في كل ما يتعلق بقدرة وقوة منظومات السلاح التي في حوزتها، وبالتالي في قدرتها على تصعيد المعركة – القدرة التي فقدتها حماس منذ الان. هذا الوجه من عدم التماثل احتدم أكثر لان حماس عادت لتعمل كمنظمة مقاومة وارهاب في ظل تسليمها المسؤولية عن قطاع غزة الى السلطة الفلسطينية وحكومة التكنوقراط التي اقيمت على اساس التوافق بينها وبين فتح. وتغير التوازن الداخلي في حماس في صالح الذراع العسكري مما عزز مكانته كعنصر القوة الاساس في المنظمة.

2.استراتيجية دفاعية: تميز الطرفان باستراتيجيتهما الدفاعية. إسرائيل أذهلت حماس والعالم كله بقدراتها على تقديم جواب شبه تام لنار الصواريخ من حماس، التي تحطمت على السور الحديدي لـ «القبة الحديدية». وبفضل الاستخبارات الجيدة والعمل الميداني الناجع والسريع أحبطت اسرائيل معظم «المفاجآت» التي أعدتها حماس لاسرائيل، وعلى رأسها عمليات القتل الجماعي والاختطاف عبر الانفاق التي حفرت الى داخل أراضيها.

أما حماس فركزت على الدفاع عن الذراع العسكري. فقد اختبأ هذا تحت الارض، محمي بالخنادق التي حفرت في مواقع مدنية صرفة. ولكن المفارقة هي أن القبة الحديدية التي تحمس الذراع العسكري لحماس هم السكان المدنيون لغزة – ذات السكان الذين رفعتهم حماس الى اسطح المنازل وعلى مسافة اجرامية من مواقع النار وأماكن اختباء قادتها. 3.الجاهزية للمواجهة: لقد استعدت حماس للمواجهة بشكل افضل. ويبدو أنها تعلمت جيدا استراتيجية الجيش الاسرائيل والادوات العملياتية التي استخدمها الجيش الاسرائيلي في الحملات السابقة التي جرت في ساحة غزة في 2009 وفي 2012 ووفرت لها جوابا منظوماتيا. الجيش الاسرائيلي، الذي لم يبادر الى المواجهة، انجر اليها دون استراتيجية محدثة، دون ضربة بدء ناجعة، افكار عملياتية جديدة او فهم كاف لمنطق العدو.

وكان التقدير أن حماس ستضغط بحجم الهجمات ومن الارتفاع في شدتها، فتضطر الى انهاء المواجهة بشكل مشابه لانهاء المواجهات السابقة. ولكن رفع المسؤولية المدنية والسياسية على غزة عن حماس سمح لها بتجاهل الضربة الاسرائيلية لـ «دولة غزة» والتركيز على حماية الذراع العسكري. لم يستوعب هذا التغيير في نهج حماس في تفكير الجيش الاسرائيلي – الذي ركز على احصاء الهجمات بدلا من احتساب الاصابة لقيادات الذراع العسكري وقدراته. والتصق الجيش الاسرائيلي بفهم الجولة والاستخدام التدريجي للقوة، بدلا من تغيير الفكر في ضوء الفهم بان هذه مواجهة تختلف عما كانت في الماضي. 4.تحقيق الاهداف: حتى لحظة كتابة هذه السطور لم تتحقق الاهداف الاستراتيجية للحملة. فاسرائيل لم تبلور بعد نهجا منظوماتيا وأدوات عملياتية هجومية بما يتناسب مع ذلك مما يؤدي الى تحقيق اهدافها الاستراتيجية. وفي نهاية الاسبوع الماضي وقفت اسرائيل امام ضرورة تغيير التعادل الاستراتيجي وذلك على اساس الفهم بانه حتى الاهداف المتواضعة التي حددها رئيس الوزراء للحملة – اعادة الهدوء، ترميم الردع والضربة الشديدة لحماس العسكرية – لم تتحقق في الخطوة الجوية وحدها. ومع ذلك، فان الخطوة البرية المحدودة التي نفذتها اسرائيل لم تغير هي الاخرى الوضع دراماتيكيا.

لقد عرضت الخطوة البرية بانها تستهدف ضرب الانفاق. هذه خطوة هامة، ولكنها ليست كافية! فبقاء الذراع العسكري لحماس معناه الانتصار للمنظمة الارهابية، اضافة الى انجاز القدرة على مواصلة اطلاق الصواريخ نحو الجبهة الاسرائيلية الداخلية على مدى كل ايام القتال بل ووقف الحركة الجوية اليها. سؤال ينبغي طرحه: هل مصدر الاصابة غير الكافية للذراع العسكري لحماس يعود الى الفجوة الاستخبارية؟ هل يدور الحديث عن صعوبة نابعة من الرغبة، المبررة، في عدم المس او الاصابة للابرياء؟ أم ربما الفرضية الاساس في أنه ينبغي الحفاظ على حماس كـ «عنوان» في غزة ليست صحيحة؟

5.اهمية الشرعية: تتمتع اسرائيل بشرعة دولية عالية نسبيا، على الاقل بين حلفائها بل وفي العالم العربي. ويدعم هذه الشرعية رفض حماس قبول اقتراح رئيس الوزراء «الهدوء مقابل الهدوء» في ايام الحملة الاولى، رفض حماس قبول الاقتراح المصري لوقف النار والخروقات الفظة لوقف النار الانساني من جانب حماس. فليس الرئيس براك اوباما والمستشارة الالمانية انجيلا ميركيل وحدهما أيدا حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الصواريخ، بل وحتى وزير الخارجية المصري القى على حماس بالمسؤولية عن اصابة المدنيين كنتيجة لرفضها قبول الاقتراح المصري بوقف النار والذي قبلته اسرائيل.

في هذا السياق ينبغي أن نتذكر بان اسرائيل تحظى بالتفهم في أوساط زعماء الغرب ولكن ليس في الرأي العام العالمي، المتأثر بالصور القاسية للاصابة للمدنيين والتي تصل من غزة.

6.الجانب الاقليمي: الفرص والاحتمالات – حتى الان تبددت المخاوف والتوقعات بالتصعيد الاقليمي. حجم المظاهرات التي جرت في اوساط العرب في اسرائيل وسكان الضفة الغربية لم يخرج عن حجم المظاهرات التي جرت قبل الحملة. انتفاضة ثالثة عنيفة ليست خيارا مفضلا على ابو مازن وقادة السلطة الفلسطينية. ثمنها معروف ورادع.

الصواريخ القليلة التي اطلقت من لبنان ومن سوريا لم تستهدف فتح جبهة ثانية، واسرائيل تمكنت من احتواء هذه الاحداث. وقد أطلقت الصواريخ منظمات فلسطينية صغيرة. حزب الله هو الاخر، الغارق في المعارك مع الجهاديين في سوريا، وكذا بشار الاسد، لن يفتحا جبهة في صالح حماس – التي فرت قبل سنتين من صفوف المحور الراديكالي المؤيد لايران.

كما ان محادثات النووي مع ايران، والتي حصلت هذا الاسبوع على تمديد، لم تنته بأزمة أو «صفقة سيئة» تستوجب صرف الانتباه الاسرائيلي. اضافة الى ذلك، كشفت الازمة منظومة التحالفات وتداخل المصالح في المنطقة. وحقيقة ان اسرائيل، مصر، السلطة الفلسطينية ودول الخليج العربية (باستثناء قطر) توجد في محور واحد ضد حماس وحلفائها، تفتح امكانيات لعمل دبلوماسي ومالي ضد المنظمة وتحقيق مواضيع اخرى باتجاه آفاق ايجابية في الساحة الفلسطينية كلها.

 

ست توصيات للعمل:

 

1.تغيير الفرضية الاساس في الحاجة الى «الابقاء على حماس كعنوان مسؤول في غزة». هذه الفرضية تلحق ضررا ثلاثيا: فهي تمنع ضربات شديدة جدا لحماس، خشية ان «تسقط»؛ تدفع المنظمة للفهم بانه يمكنها ان تمدد الحرب دون أن تدفع الثمن بوجودها ذاته؛ وتمنع امكانية اعادة السلطة الفلسطينية الى غزة في المدى البعيد لتكون جهة القوة السائدة.

الفرضية بانه اذا ما «انهارت» حماس فستسيطر على القطاع محافل أكثر تطرفا، تحتاج الى تحليل وفحص. فأي جهة يمكنها أن تهدد اسرائيل اكثر مما تهددها اسرائيل في اطلاق الصواريخ الى مدى أبعد من حيفا؟ أي جهة يمكنها أن تحفر عشرات الانفاق الهجومية؟ ينبغي فحص صلاحية التوقعات المهددة بشأن «تسونامي الجهاد العالمي» التي لم تتحقق في الماضي من افغانستان ومن العراق، ولا من حدود سيناء والجولان. كل منظمة متطرفة تسيطر على غزة اذا ما انهارت حماس (وليس واضحا على الاطلاق بان تأتي بدلا من حماس منظمة متطرفة)، ستحتاج الى سنوات طويلة كي تبني البنى التحتية الارهابية التي بناها مشعل وهنية. 2.استمرار الضغط العسكري، البري والجوي، لتوجيه ضربة شديدة للذراع العسكري لحماس. بعد التخلي عن الفرضية بشأن الحاجة «للحفاظ على حماس كعنوان»، يجب التركيز على تعميق الخطوة العسكرية بحيث تضرب بشدة وبالذراع العسكري لحماس وتضعفه.

لقد أدى دخول قوات الجيش الاسرائيلي البري الى القطاع الى عدة انجازات: كشف وتدمير انفاق؛ ضربة معينة للذراع العسكري؛ واحتكاك يكشف امكانية استخبارات جديدة ونوعية. ومع ذلك في الخطوة البرية الحالية من الصعب أن نرى مناورة أخرجت العدو عن توازنه. صحيح مواصلة بتر القطاع، خلق ضغط على مناطق اخرى تطلق حماس النار منها وتقيم فيها تواجدا عسكريا ذا مغزى.

مطلوبة خطوات يوجد فيها تداخل للمناورة بالمفاجأة، تطويق، ضرب مناطق اطلاق الصواريخ، اجلاء سكان وجهد استخباري وعملياتي للوصول الى مراكز الانتاج، الاطلاق، القيادة والتحكم لحماس. من المهم ان تفهم حماس بان من الافضل لها وقف اطلاق النار على استمرار القتال. عليها أن تشعر بان الطوق حولها آخذ في الاشتداد.

3.السعي الى ميزان لا لبس فيه في صالح اسرائيل. الانهاء بالتعادل الاستراتيجي مع حماس سيبث ضعفا اسرائيليا لجبهات اخرى. حماس هي العدو الاضعف الذي تواجهه اسرائيل. لدى حزب الله قوة نار اكبر بكثير من ناحية الكمية، ووزن الرأس المتفجر والدقة. وفي دمشق وطهران أيضا سيفحصون نتائج المعركة.

صحيح ان لكل ساحة مزاياها الخاصة والردع الاسرائيلي حيال الدول اكثر نجاعة من الردع حيال منظمة ارهابية. فان معركة طويلة دون حسم لا لبس فيه – هي الرابعة على التوالي – والتي ينفذ فيها الجيش مناورة برية محدودة جدا، يمتنع عن تدمير القدرات العسكرية الاستراتيجية لحماس بفضل حقيقة أنها محمية من السكان المدنيين، وكذا يمتنع عن ضرب القيادة العسكرية والمدنية لحماس – هي فقط جزء من بنود الميزان التي من شأنها أن تسحق الردع الاسرائيلي وتؤدي الى مواجهات اخرى في ساحات اكثر تعقيدا من غزة بكثير.

ان المنطق المنظوماتي الذي يجب أن يقود الجيش الاسرائيلي هو انه سيكون واضحا بان تدفع حماس ثمنا باهظا – ليس فقط بالبنى التحتية، بل اساسا بعناصر القوة المركزية لديها، بالقيادة السياسية والعسكرية العليا، وبقدرتها على ضرب دولة اسرائيل. 4.منع التعاظم المستقبلي هو المفتاح لفترة هدوء طويلة. في حملة «الرصاص المصبوب» وكذا في حملة «عمود السحاب» لم تنشأ آليات ناجعة لمنع التعاظم المستقبلي لحماس. وفي مراجعة التسوية التي ستبلور في نهاية الحملة من المهم للغاية أن نفهم بانه دون معالجة الموضوع – فان تأجيل الجولة التالية منوط فقط بالردع. حيال حزب الله، الردع الاقوى (وذلك بفضل عدة عوامل: الضربة التي تلقاها في 2006 في ما يتجاوز كل توقعاته، مسؤوليته عن دولة لبنان، الحساسية الطائفية في لبنان وحقيقة أن ليس له ذريعة شرعية لمهاجمة اسرائيل). حيال حماس لم يكن الردع ناجعا بما يكفي، ولم يعد بفترة هدوء طويلة. وعليه، فصحيح الحرص على ان يكون تعاظم حماس بطيئا قدر الامكان، اذا ما سمح بذلك على الاطلاق.

حقيقة أن مصر تمنع اليوم التهريب بنجاعة، والتفاهمات مع دول عربية اخرى تعارض حماس على عمل مشترك ضد تعاظمها، يتداخل مع حق اسرائيل في العمل ضد الانتاج الذاتي للصواريخ والوسائل القتالية الاستراتيجية – يجب أن تكون جزء من كل ترتيب في نهاية الحملة.

5.انهاء الحصار الاقتصادي. بعض من صمود حماس المتواصل يعلل بحجم من ناطقي المنظمة بان «ليس لنا ما نخسره، الوضع في غزة سيء لدرجة أننا لم نعد نخاف الضربات العسكرية او الاحتلال الاسرائيلي». هذا قول دعائي، لن يصمد في اختبار الضغط الاضافي الذي سيمارس على حماس. ومع ذلك، ففي كل ترتيب مستقبلي صحيح الفصل بين «الحصار» الاقتصادي – الذي من الصحيح تسهيله، وبين «الحصار العسكري» الذي من الواجب مواصلة تشديده. وحيثما كان توتر بين التنمية الاقتصادية في غزة وبين امكانية بناء القوة العسكرية – فان منع التعاظم هو الذي يقود القرارات. ان التنمية الاقتصادية لغزة، والتي ستصرف سكان المنطقة نحو مسار اكثر ايجابية، ستقلص التأييد للارهاب جراء اليأس، وتؤكد الفهم بشأن الاثمان التي ستنطوي عليها جولة مواجهة اخرى، هي مصلحة اسرائيلية. وعليه، فينبغي اشراك الاسرة الدولية والدول العربية المعتدلة في مشروع التنمية الاقتصادية.

6.افق سياسي. خلافا للقول الدارج بانه لا حل عسكري للارهاب – أثبتت اسرائيل بانها قادرة على ان تحل عسكريا هجمات ارهابية منظوماتية عليها. اما الحل السياسي فسيكون افضل ابدا، ولكنه لن ينجح دون مواقف تفوق عسكري وفهم الطرف الثاني بان المواجهة العسكرية لن تحقق هدفه الثاني. إن الحل السياسي بعيد المدى لغزة هو استمرار اضعاف حماس – اقتصاديا، سياسيا وعسكريا – وخلق بدائل سياسية افضل للفلسطينيين ولاسرائيل. لقد ضعفت حماس سياسيا وماليا في السنتين الاخيرتين، واذا ما اضعفت بعد «الجرف الصامد» عسكريا ايضا – فسيكون ممكنا، بالتعاون مع مصر، الدول العربية المعتدلة والاسرة الدولية – اعادة السلطة الفلسطينية الى غزة وضمان تنمية اقتصادية في المنطقة والرفع التدريجي للحصار عن المنطقة.

كل هذا، متداخلا مع منع التعاظم والتجريد من السلاح، ستكون العوامل الاساسية لاستقرار القطاع واعادته الى اتجاه التطور الايجابي.

 

عاموس يدلين

معاريف الاسبوع

كلمات دلالية: