الوجه الآخر لنتائج بيرزيت

تحاول  العديد من الأطراف على الساحة الفلسطينية وخارجها،  توظيف  نتائج انتخابات مجالس اتحاد الطلبة التي عقدت مؤخرا في مختلف جامعات الضفة الغربية، وفقا لما يخدم مصالحها، وبما يحقق روايتها الحزبية المجتزأة، والقائمة في الكثير من الأحيان على إسقاطات خاطئة، وفرضيات مضللة، لا تسندها حقائق وازنة، بعيدة كل البعد عن التحليل العلمي الدقيق، والقراءة الموضوعية لمدلولات تلك النتائج، فيما قدم بعض الكتاب قراءات متحذلقة، أبعد ما تكون عن الواقعية والحقيقة، بل ومتعارضة بشكل كبير، مع سير العملية الانتخابية،  حتى بدت للقارئ المتابع لواقع الحراك الطلابي في الجامعات الفلسطينية، وكأنها مسلسل بائس الإخراج، أو أنها سرد لعملية انتخابية في بلد آخر، لما حملته من مغالطات كبرى، كتلك التي نشرها السيد واصل الخطيب في صحيفة القدس اليومية،  تحت عنوان " حول انتخابات بيرزيت وانتكاسة الشبيبة مرة أخرى "، والتي  انتقد بها أداء ممثل  الشبيبة الفتحاوية، خلال المناظرة، مدعيا أن ما قدمه لم يتجاوز حدود اجترار أمجاد الماضي، ومحاولة تهويل قدرات مناظر الخصم الذي قال أنه يقضي  ساعات طوال في أروقة المكتبة، يقرأ في السياسة، والفكر، والأدب، وعلم الاجتماع، والفقه الإسلامي، ومحاججة الخصم، وهو الأمر الذي يدلل بشكل جلي، أن الكاتب كان ولا يزال بعيدا كل البعد عن مسار العملية الانتخابية في  جامعة بيرزيت، وعن خطاب الشبيبة لهذا العام، وتحليلات الأكاديميين، والمحللين له، والذي وصفته شبكة معا في تقرير لها  "بالمتجدد من حيث الشكل والمضمون، والذي يوازي بين العاطفة والعقل، وبعدم التسويق لمضمون يستند فقط إلى جذور الحركة وتاريخها، وذلك من خلال طرح قضايا اجتماعية وفكرية عدة من بينها حرية المرأة وحرية الاختيار وتبيان الفرق بين المجتمع المدني وبين مجتمع تحكمه حركات أصولية، وكذلك فيما يتعلق باختيارها لمناظر تمتع بلباقة وهدوء، وطرح أفكاره بطريقة سلسلة، بعيدا عن الضجيج"، وهو الأمر الذي أكده أستاذ الإعلام والعلاقات العامة في جامعة بيرزيت د. نشأت الأقطش، بقوله " ما لمسته أن حركة الشبيبة الطلابية ظهرت أكثر تنظيما واتزانا، بينما لم تظهر كتلة الوفاء الإسلامية بزخم قوي في المناظرة"، وهو الأمر الذي يتعارض بشكل صارخ مع قراءة الخطيب الأحادية للنتائج، واجتراره لشائعات جرى نشرها عبر خصوم حركة فتح، بأن الحركة قد            جندت ملايين الشواكل في حملتها الإنتخابية، وهو الأمر المجافي للحقيقة، إذ أن ما أنفقته حركة الشبيبة الطلابية في حملتها الانتخابية جمعاء، لا يوازي ما جنده خصوم الشبيبة  من أموال لنشر شائعات ضدها، وتأسيس صفحات ممولة عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، باسم وزير التربية والتعليم، وغيره من الشخصيات الوطنية والرسمية، وإرسال آلاف الرسائل للطلبة،  بهدف مواجهة خطاب الشبيبة المتزن، والذي استطاع أن ينفذ إلى عقول وقلوب الطلبة، وانجازاتها النقابية التي تنوعت ما بين استصدار قرار من وزارة التربية والتعليم، بعودة نظام الصيفيين، بحال موافقة إدارة الجامعة، وتأسيس مكتبة الكترونية، ومختبر كمبيوتر لخدمة لطلبة، ووضع مظلات في ساحات الجامعة، وتجنيد مبلغ مالي لشراء باص لاستخدامه في الرحلات العلمية والترفيهية للطلبة،  وإيجاد حلول إبداعية  لمشكلة مواصلات الطلبة من وإلى الجامعة، والتبرع بخمسة ماكينات تصوير وريعها لصندوق الطالب المحتاج، وذلك  حصاد جهد عام من العمل النقابي الجاد، والتواصل اليومي مع القطاع الخاص، والمؤسسات المختلفة في الوطن، من أجل توفير خدمات نقابية حقيقية، تخفف من معاناة الطلبة وذويهم، وتساهم في توفير أجواء أكاديمية مناسبة لجميع الطلبة، على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية.
     هذا بالإضافة إلى أن محاولة التعتيم على نتائج الجامعات الأخرى التي تقدمت بها الشبيبة ، كالبوليتكنك في الخليل، وجامعة القدس، وبيت لحم، وخضوري في طولكرم، والأهلية، وفلسطين التقنية، وإصرار  الخطيب بأن كل ذلك لا قيمة له، بسبب نتيجة بيرزيت، إنما هو دليل اختلال في رؤية الكاتب لما سطره أبناء شبيبة فتح، في مختلف الجامعات، فمكانة جامعة بيرزيت في تاريخ نضال الحركة الوطنية الفلسطينية، والذي يشكل محط فخر للكل الفلسطيني، لا يعني  بأي حال من الأحوال تقزيم دلالات نتائج الجامعات الأخرى في الوطن، كما أنه من غير الممكن الادعاء أن جامعة واحدة، مهما كان تاريخها، وحجم الاهتمام السياسي والإعلامي بها، يشكل وحده مؤشرا حول توجهات الرأي لشباب الوطن، في ظل تعتيم ممنهج، وإقصاء غير مبرر لنتائج انتخابات الجامعات الأخرى، والتي حققت بها شبيبة فتح تقدم ملحوظ، بما في ذلك جامعة بيرزيت ذاتها، والتي حققت شبيبة فتح وحدها، من بين جميع الكتل المتنافسة تقدم ملحوظ، في ظل تراجع مختلف الكتل الأخرى، إما بعدد مقاعدها، أو بعدد الأصوات التي حصلت عليها، بما في ذلك الكتلة الإسلامية،  وجامعة البوليتكنك، التي استطاعت شبيبة فتح أن تعمق الفارق بينها وبين الكتلة الإسلامية إلى ستة مقاعد لصالحها، بعد تعادلهما في العام الماضي في عدد المقاعد، كما أن أي قراءة نقدية، يجب أن تتمتع بالموضوعية اللازمة،والجرأة الكافية، بما في ذلك الاعتراف بدور شبيبة بيرزيت، في قيادة المقاومة الشعبية،  وانحيازها المطلق لخيار المواجهة مع المحتل، جنبا إلى جنب مع مختلف القوى الوطنية في الجامعة.
     وعلى صعيد آخر، فقد أظهرت نتائج انتخابات جامعة بيرزيت حجم التوظيف البائس، والاستخدام الضيق لنتائج تلك الانتخابات، من أجل صناعة انتصارات وهمية، وخلق قواعد شعبية في السراب، من خلال استثمار ما لتلك الانتخابات من بريق اعلامي، واهتمام شعبي، نظرا لتوق المواطنين لأي مظهر ديمقراطي، في ظل انغلاق أفق المصالحة، وانسداد كل الفرص المتعلقة باستئناف الحياة الديمقراطية على الصعيد الوطني، والمتمثل بالانتخابات التشريعية والرئاسية، وانتخاب مجلس وطني جديد، كما فعلت حركة حماس، حينما وظفت تلك النتائج، وقولبتها بشكل حزبي ضيق، لتعيد تغليفها، وإسقاطها عبر وسائل إعلامها،  بشكل يظهرها على أنها التفاف حول  برنامج الحركة، وشعبيتها، وقبولها في الشارع، بشكل يتساوق مع  الإعلام الإسرائيلي، كصحيفة هارتس بتاريخ 28-4-2016، وهو الأمر الذي يتعارض علميا مع  المنهج العلمي للقياس والتحليل، إذ يقول الدكتور جورج جقمان، عضو هيئة التدريس في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت" أن طلبة الجامعات لا يشكلون معيارا علميا متعارفا عليه ليشكل عينة ممثلة أو عشوائية من الجمهور العام، فهم فئة في معظمهم تقع بين عمري 18 و22 عاما، وهذا بحد ذاته يفقدهم صفة تمثيل الجمهور العام، كونهم  ليسوا في نفس الفئة العمرية، وهم أيضا ليسوا عينة عشوائية من الجمهور، لكونهم عينة خاصة جدا مختارة ومنتقاة ومصطفاة بناء على علامات التوجيهية أساسا، وليس على أي أساس آخر يستوفي شروط العشوائية، ومن ثم تمثيل رأي وموقف الجمهور الواسع"،  وهو ذات الأمر الذي يؤكده المفكر بكر أبو بكر، في مقالتيه اللواتي  حملتا عنوان" بكائية بيرزيت: بجزأيهما الأول والثاني، وهي الحقيقة التي أٌثبتت في العام 2006، حينما فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية، على الرغم من فوز الشبيبة في انتخابات مجلس اتحاد الطلبة في جامعة بيرزيت قبلها بأشهر،  أما الأخطر في كل ذلك،  فهو إسباغ بعدا دينيا على تلك النتائج، ووصف فريق ما بالرباني، وأنصاره برجال الله، مما يضع الخصم بشكل ضمني في المعسكر المناوئ  للإيمان،  في مظهر يشي بحجم توظيف الديني لخدمة السياسي في الانتخابات النقابية في الوطن،  يضاف كل ذلك إلى أن حركة حماس التي تعطل تنظيم الانتخابات المحلية، والنقابية، وتمنع تنظيم انتخابات مجالس اتحاد الطلبة في جامعات قطاع غزة، تفتقد للأهلية الأخلاقية، التي تؤهلها لاستثمار أي تقدم لها في الضفة الغربية قائم على أساس القيم الديمقراطية التي تتنكر لها، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن يعطل الديمقراطية، والتعددية وحق المواطنين باختيار ممثليهم في جزء من الوطن، لا يحق له  التغني بنتائجها  في جناح الوطن الآخر متى استطابت له النتائج، ويهاجمها تارة أخرى أو يقاطعها حينما تأتي نتائج الصندوق بشكل مخالف لمصالحه، فمشهد الناطقين باسم حماس، وهم يحاولون توظيف نتائج الانتخابات الطلابية، في ظل منعها في قطاع غزة، يثير في النفس نوازع الشفقة والحزن، والغضب الشديدين، على ما يعتري قطاع غزة من اختطاف منظم، وتقييد ممنهج، وتكميم للأفواه والأصوات والحريات.
      كل هذا لا يعني بأي حال من الأحوال، أن على  شبيبة فتح، ومفوضية التعبئة والتنظيم، أن تمر على نتائج انتخابات بيرزيت، وغيرها من النتائج مرور الكرام،  فكما قال نبيل عمرو " فتح ليست جمعية للدفاع عن الديمقراطية، إنما هي حركة تحرر وطني، يجب أن تصغي بشكل عميق لنتائج انتخابات مجالس اتحاد الطلبة في مختلف مؤسسات التعليم العالي، لما لتلك النتائج من أهمية، كونها تمثل صوت الجيل الأكثر ديناميكية، والأكثر قدرة على صنع الفارق، في ظل وقوف شعبنا على أعتاب مواجهة حتمية مع المحتل، وكونها تمثل توجهات النخب المستقبلية في مختلف المجالات، وهو الأمر الذي بدا واضحا من قيام شبيبة فتح، ومفوضية التعبئة والتنظيم، بالتعاون مع مختلف الهيكليات التنظيمية ذات العلاقة،  من وضع تصورات مستقبلية، للبناء على ما تم انجازه في بعض الجامعات، وتجاوز العقبات في الأخرى، والذي توج مؤخرا بانتخاب الطالبة دانا الرويضي رئيسة لمجلس اتحاد الطلبة في جامعة فلسطين الأهلية، لتكون الفتاة الثالثة بعد نورس عبد الدايم التي تقود مجلس اتحاد الطلبة في جامعة القدس المفتوحة في سلفيت، وبهادر رزق الله في طولكرم، لتسطر شبيبة فتح نموذجا حقيقيا في التعددية والديمقراطية والمساواة، فشبيبة فتح، حينما تقرر خوض العملية الديمقراطية، تعي جيدا، أن أبرز قواعد  العملية الديمقراطية هي قبول الفوز والخسارة، والانصياع التام لما يفرزه صندوق الاقتراع، بغض النظر عن النتيجة، ففي الوقت الذي تعي فيه حركة فتح قدرتها على تحقيق انتصارات حقيقية في جامعات قطاع غزة، تعلم تماما أن الكتلة الإسلامية تشكل منافسا حقيقيا في الضفة الغربية،  وهو الأمر الذي يضاف إلى رصيد حركة فتح، التي ستنظم في القريب العاجل الانتخابات المحلية في موعدها، في ظل استمرار حركة حماس في موقفها الرافض لكل أشكال الحرية والديمقراطية والتعددية. 

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.