أحصنة بالممرات ووجع اللاجىء ينتقم

روائح المدن والقرى المهجرة في الداخل الفلسطيني المحتل عبقت فعطرتنا بالألم والحزن، فالمناطق ميتة سوى من زهرة وخضرة اعشاب واشجار مترامية هنا وهناك، وما بين الاشجار بيوت قديمة تخلو من جنس أنس أو جان، وفي ضجة اللاشيء مررننا نلتقط الصور لكل جزء مثير للعين بحثنا عن مقبرة ماميلا فوجدنا فندق ضخم مكانها وتسكنه الاطياف لربما، يقول احدى عمال البناء في الفندق "أنه هم بالهروب من العمل نتيجة سماعه اصوات اشياء مرعبة كالاحصنة في الممارات وابواب تغلق، رعب ما بعده رعب".  وعلى ذات الطريق هناك قبرين يقال أنهما لرجلين صالحيين، هذا وسبب ذاك القبرين عسر هضم واحيانا اسهال للعاملين ممن يحاولون توسعت الشارع وازالتهما.  ففي كل مرة تحاول الجرافة نزعهما يصيبها العطل ولا تبارح مكانها لتذهب الجرافة الأولى وتأتي الثانية والحال استمر هكذا. وما حدث لاحقا بأن تم الالتفاف على القبرين وتجاوزهما وتوسعت الشارع بعيدا إلى أعلى منهما ويصنف الأمر على أنه رواية واقعية لأمر خارق لطبيعية لربما.

وبالطريق من القدس إلى اللد، جمال لا يضاهيه جمال فإسرائيل اعتنت جيدا بكل جزء زرعته اخضرته خضرة جميلة استغلت كل شبر لاقتصادها، لاحقا تبدا بدخول اللد تحديدا المناطق المشتركة ما بين الاسرائيلين والفلسطينين تجدها جميلة لا عبث ولا ما لايحزنون، تتدرج كالكرة و فجأة تدخل إلى اماكن تشعرك بأنك في احدى المخيمات، التشبيه قاتل و بعيد نوعا ما لكنه قريب أيضا،  المتاهة والتياه ضرورة هنا فالحال يقول أن الزقاق الفلسطينية كثيرة تجاوزات في بناء اسوار لا شرعية لها جعلت للناظر شعورا بأن هناك جزء غير منتظم صورة مشوشة مشوهة يضاف إليها بيت يهدم في كل مرة يبنى فيها فهو بدون اي رخصة كل تلك التجاوزات مباحة فلا خيار ولا اختيار، استمر بالدحرجة أكثر سيصادفك قطار ينادي ما بين الفينة والأخرى، تحاول التجاوز يأتيك صوت الأنذار "قف القطار قادم" ، سكك حديد كثيرة تغير اتجاهها بحسب الرحلة القادمة وللولهة الأولى يتهيأ لك أنها مقطع في فيلم مصري، أبتسم فأنت بالواقع لكنه مختلف قطار لا يبعد كثيرا عنك مطار تعجه الطائرات، لكن ذات السكة والطائرة وحتى كل شيء مشوه باعلام اسرائيلية مثيرة للاشمئزاز، وما بين حكايات تحكى ستجد الآتي، خبر عن شخص هرب من مركبته لكونه كان يحمل بها العمال من الضفة وأخيرا وصف من أحداهن بأنه "لم يتعلم فهو طماع" لكنه يقول أن الرزق غلاب.
وفي أحدى مراكز رعاية الطفولة رطنت بالعبري وفهمت عليها! لكن كيف سأرد؟، حقيقة الأمر أنها كانت تؤنبني لوضعنا غطاء كبير على طفل صديقتي والأجواء حارة، خطر ببالي أن أحدثها بالقول " يستر على ولايك روحي" لكن بعد فنية خرجت كلمة عبرية من فمي ولا اعلم حقا أن لفظتها بالشكل الصحيح لكن المعنى منها الايجاب و أن كلامها صحيح.
تعمق بالتدحرج ستجد الكثير المضحك قارن لكن مقارنة ايجابية تجاوز ما يقال عن أن حالهم أفضل فالوجع الذي لدينا ذاته يعتصرهم فأن بلغت هي لأبد من أن تتزوج ولا سبيل في الاعتراض، تقول س  "3 سنوات ركض خلفي وتزوجته في سن 17 عشر وقبل عدة أيام من تخرجي انجبنت طفلي الأول والآن ادرس التمريض اكملت تعليمي"، قلة من هن كذلك يكملن مشوار التعليم وبالرغم من الاختلاف الشاسع بالعادات وكون المرأة مقيدة أكثر ها هنا ألا أنها قوية تنتزع حقها وتحيا تسعى للخروج من القوقعة لكنها ستحتاج وقت فكل الامور تدريجيا تتغير وأن باغتها بالوقت الصحيح ستصبح عبدة لك دحرجها ولاعبها وغنجها لتصبح بصالحك لا تجابه فالقتال لا ينفع ساير لتصل للهدف.
في الثنايا كل شيء تقع حائر ماذا تأكل كل شيء اسرائيلي تشتاق للبنة الجبريني وشبس أبو النص، تشعر وكأنك خنت الوطن لكن لا خيار ضعه في قائمة التجاوزات، تصف حال اللد لصديق مهجر منها يحدثني وهو مشتاق لترابها لكن كلماتي اوجعته فلم تعد كما كانت لكن الذكريات ذاتها محفورة لن تبخل عليك أيها اللاجيء فالحق لا ينتزع والذكريات لنا حق والاطياف تؤكد على ذلك.  فعليا كل مرة تخطو قدماي اللد أو الرملة ويافا واخواتها يسكنني وجع الذكريات وتترد صراخات من هجر وكأنهم يهجروا مجددا اصواتهم تصدح في مرامي.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.