ماذا أكتب عن الحب في عيده؟

الحب

خرجت الليلة أسير تحت مطر باريس، لم يكن المطر غزيرا، مجرد رذاذ متواصل يطمح لأن يصبح مطرا، لا يبعد بيتي كثيرا عن برج ايفل الشهير.

شيد البرج ليكون رمزا لنهضة الصناعة.صار المعلم السياحي الأشهر، ثمة امل إذا بأن تقوم بلادنا من تحت الحروب والجهل والظلامية يوما ما، وتستعيد مكانة لها في هذا العالم، تساقط الرذاذ على راسي ووجهي،لا بأس!!. هذا أيضا من معالم باريس وفرحها.

على رأس كل ساعة يضاء البرج كبريق من الماس.يتغير لونه ويبرق ويلمع فتتوجه إليه فورا كاميرات العابرين. والعابرون هذه الليلة مختلفون، بعضهم سكارى وبعضهم حيارى. منهم من يتبادل القبل بنهم كأنه لم يعرف القبل إلا في عيد الحب. ومنهن من تتفركش (تتعثر كي لا يزعل سيبويه) ووتمايل وتكاد تنزلق من فوق كعبها العالي. يلتقطها حبيبها لكنها تلعن بخله لأنه لا يوقف لها تاكسي....اضحك ، امسح بعض الرذاذ عن وجهي وأكمل السير بين الأشجار المغتسلة بجميل المطر واللامعة بانعكاس ضوء البرج ووجه الله.

أمر قرب مطعم على الضفة اليسرى لنهر السين.ينظف النادل بقايا ما تركه العشاق في ليلة الحب. أمام المطعم عربيان يستعدان للمغادرة، واحد يعمل راكنا لسيارات الزبائن والآخر حارس أمن. اعرفهما منذ فترة طويلة .هما من المغرب العربي.يضيق عليهما الخناق يوما بعد آخر مع تنامي العنصرية والقلق بفضل داعش وأخواتها. فالطامحون لنشر الخلافة في بلاد "الافرنجة والكفار" سيحرمون العرب والمسلمين هنا من لقمة عيشهم.

تنحني الوردة الجورية الحمراء بيد شابة شقراء الشعر .كيف لا تنحني وهي تتعرض تارة لرذاذ المطر وأخرى لعناق الحبيبن. انتهى دور الوردة بفعل زجاجة النبيذ التي يحتسي منها الشابان ويتبادلان القبل ويقهقان تحت المطر وفوق الأمل والحب.

تتلالا في الطريق أضواء علب الليل والملاهي والمقاهي. أمر قرب الشعلة الذهبية قرب النهر. هي تمثال تم نحته قبل سنوات لتخليد مقتل اللايدي دايانا وعشيقها حبيبها المصري دودي الفايد...حتى اليوم لا أصدق أنهما قتلا بحادث سيارة. ...لكن لا قيمة لقتلى العرب ...هم ارقام وبيادق على لعبة الشطرنج الدولية .....
تتحول باريس إلى عاصمة للحب والسكر والقبل..

ماذا أكتب عن الحب في عيده ؟
في هذه اللحظة التي تهدي وردة لحبيبتك، يكون جندي سوري قد سقط شهيدا، ومواطن سوري قد سقط شهيدا، ويكون زميلنا الصحافي المناضل محمد القيق يتقدم خطوة جديدة صوب الخطر ، وتكون عائلة يمنية فقيرة قد سقطت شهيدة وعائلة ليبية ذبحت ، وتكون حبيبة عراقية فقدت خطيبها أو حبيبها، وتكون العروبة لفظت نفسا جديدا مما بقي لها من انفاس، ويكون إرهابي قد قبل حزامه الناسف ويستعد لاهداء روحه وعقله الفارغ للحوريات..لا يكتمل الحب عنده في السماء إلا أن قتل الحب عندنا على الأرض.

قال ميدفيديف اننا دخلنا الحرب الباردة ، وطالما أن دماء العرب هي ثمن صراع العالم وان لحمهم وقود للمدافع، فاعذروني انا لا أكتب شيئا ذا قيمة في عيد الحب واستمر في السير تحت رذاذ مطر باريس ، واحلم بوجه امي حبيبتي الأولى والأخيرة التي كلما جاء عيد حب تحتل كل قلبي من حيث هي في مكان لا شك أفضل من هذا العالم .

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.