بدّي "أنطّ" معك!

بقلم: 
محمد عساف

للوهلة الأولى يبدو الموقف شخصي جداً ، ويقع في دائرة الحريات الخاصة ، لكن صاحبه لم يعد شخصي أبداً.

في القراءة الأولى سنتابع فقط ردود أفعال وطرائق وسائل الإعلام في تغطية خبر انفصال محمد عساف "محبوب العرب" عن خطيبته، وهو أمر قد يحدث كلّ يوم ولا نكاد نشعر به بين الشباب المقبلين على الزواج ، سيبحث الناس عن أسباب خفيّة- لا تهمني في هذا المقام- لأنهم قد لا يصدقون أن مجرد عمل خطيبته بالإعلام هو السبب كما أشارت أكثر من وسيلة إعلام ومذيلة العبارة بكلمة "الأضواء":"لقد اشترط عليها منذ البداية عدم العمل والبعد عن الأضواء" وبالمقابل سيجدّ الكثيرون في هذا سبب ومبرر موجب ويعلقون كما دائماً هو حرّ وهذا مجاله الخاص وحياته.

لكن تعالوا نرى الصورة من فوق ،قبل عامين ونيف خرجت مدن الضفة وغزة عن بكرة أبيها لتحتفل "بمحبوب العرب"، وطال الفرح القلوب على نحو مفاجيء وشديد الصدق، حتى من كانوا خارج دائرة المتابعة وجدوا أنفسهم في فيض هذا العنفوان ومنح الشاب ذو الابتسامة الجميلة والصوت العميق الساحر لقب سفير النوايا الحسنة، كل هذا كان يصبُّ في الجانب الحسن والحلو لطاقات الشباب الفلسطيني، صار الفتى علماً وصار الفتى عنواناً وصار الفتى نموذجاً.

أحدق في سبب الإنفصال المعلن للنجم المحبوب وأشعر بالأسى ،إذا كان النموذج يرفض عمل زوجته ، وإذا كان النموذج يرى أن مكان المرأة البيت وبعيداً عن الأضواء ، فكيف سنقنع شباباً آخرين أن العمل خرج من خانة الحاجة للمال ليكون موقف وحقّ وليكون أحد أهم الدعائم الإقتصادية لمجتمع فقير بموارده ولا يسيطر عليها، إذا كان الفتى الذي قطع أميالاً وقفز حتى صارت كلمة أمه الشهيرة: نط عن الحيط يمّة" أشهر عبارة نتداولها لا يرى في زوجته إلا أميرة جميلة في بيت مغلق، وبغض النظر عن أسباب الإنفصال أنا أناقش هنا ما هو معلن، والتسبيب الذي تراه كلما فتحت جهاز كمبيوترك:"عساف ترك خطيبته لأنها تريد أن تعمل بالإعلام "
لا أؤمن بحرية ناقصة، الصوت الذي يطالبنا أن نعلي الكوفية ونغني ، من المحال أن نستوعب أن يطالب نصفه الأجمل أو الأحلى كما نتغنى دوماً ونحن نتحدث عن النساء بالبقاء وراء عتبات البيوت خلف الأبواب الموصدة.

"نطّ يمة" كانت العبارة الأجمل ، وأستطيع تفسيرها بكل ما تستوعب من سماوات: نطّ لتعبر لحلمك، نطّ لتجتاز ضيق المكان والزمان، نطّ لتحمل لنا المستقبل البهيّ ، نطّ وخذّ معك أحلامنا أطفالاّ وشباباّ وشيوخاّ، نساء ورجال.

هل كان عليّ أن أفهم منذ أن غنى عساف لنا "يا يمّة هادي رجالك" أن الرسالة وصلت مسبقاً؟ نعم جميلة الأغنية ورائع صوتك عزيزننا الفتى الحالم وشكراً على الوردة الجميلة للطفلة في نهاية الفيديو كليب ،لكن هل ممكن أن ترانا كما نريد وكما يريد لنا المستقبل ؟

لا ألوم عساف فهو "منا وفينا" يفكر مثلنا ويتصرف مثلنا ، سأقول هذا شأن خاص جعلته شهرته حالة عامة، لكنني سأتمنى لو قدم لنا الشاب النموذج "نطّة" أخرى تصبُّ في طريقنا الطويل والوعر نحو التمدن والتحرر ، فهو شاء أم أبى الآن نهج تربوي لملايين الشباب .

أخاف أن يسألني طفل شقيقتي ابن الرابعة :" خالتو لماذا تعملين بالإعلام "؟ هو الذي يقلدُ عساف في كلّ شيء ويبتسم على طريقته ويقف مثله على الحائط أنيقاً وطافحاً بالأحلام ، كم من فتى سيقلدُ عساف ويرى في زوجته أميرة خلف الأبواب الموصدة ؟

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.