عدنان حلايقة... الربيع الذي لا يموت بلمح البصر

جميلا، خلوقا، غيورا، طموحا، فاديا، ملهما، مقيما، باقيا، جسورا، خجولا، وسيما، وشهيدا.

لكل الطرق نهايات ومفترقات، توصل محبا وتودع أخر، ولبيت عانون القريبة من بلدة الشيوخ شمال شرق الخليل  مفترقها الخاص؛ فيه تقاطع لعدد من الطرقات يتوسطها دوار فيه أولوية لكل شيء إلا للمارة بسلام، وهناك لاسلام ولا كلام ولا أمان، فأصابع الخوف ترتجف على الزناد في أيدي جنود الاحتلال الخائفين حتى الحماقة، ولو ينطق الرصيف الذي أستشهد عليه عدنان لقال: كان عدنان حلايقة جالسنا في سيارة النقل العمومي عائدا من مدرسته الصناعية قاصدا بيته للقاء أهله ومحبيه، ولكن رصاصة الحقد كانت أسرع... هو شهيد الجهة اليمنى من الدوار فالرصاصة لم تقصده لأن الجنود كانوا في لحظة جنون يطلقون النار في كل الاتجاهات.

استشهد عدنان 17 عاما، في المحيط ورواق بلدته، فالوطن عادة يبتسم لأهله وأطفاله، ومها ضاق المكان هناك متسع للأمل، وقد علمنا عدنان ذلك عندما كان أحد الأطفال المشاركين في مشروع "حوارت ومناظرات" الذي نفذته الهيئة الفلسطينية للإعلام وتفعيل دور الشباب "بيالارا" صيف عام 2012... أيامها حمل عدنان في جوفه قلوب أطفال بلدته ومطالبهم... وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.

كل الطرقات مغلقة يا عدنان أمام سفرك وإبحارك وأحلامك، هناك شهقتك الأخيرة، فيها نفس عميق يملأ الصدر برائحة الوطن لترفرف الروح صعودا نحو الجبال... صعودا نحو الحرية... صعودا نحو السماء؛ بريء يا عدنان ونحن لسنا متهمون نعرفك جيدا ونعرف طموحك ونعرف نظرتك للمستقبل، أنت ابننا يا ولدي فقد عرفناك ودربناك، وها هي صورتك تلوح في زوايا ذاكرتي عندما كنت تستقبلنا ورفاقك حال نصل إليكم ... بالأمس كنتم تحملون معنا الكاميرات ومعدات التدريب وضيافة اللقاء وأمل الغد، واليوم أنت حملت اللقب شهيدا ونحن حملنا الهم على فراقك محزونون محزونون.

راح الطفل عدنان فودعناه بلمح البصر، وحتما سنودع آخرين بلمح البصر، كما سيودعنا آخرون بلمح البصر، فالصراع طويل وعنجهية الاحتلال قائمة يقتلون وينهبون ويسرقون ويعدمون بدم بارد والتهمة حاضرة بالفطرة "فلسطيني"... لكننا نراهن أننا على موعد قريب مع الحرية.

عدنان والرفاق             

كان عدنان ورفاقه في المشروع أول الباحثين عن الأمل والحياة الكريمة، وطالبوا رئيس البلدية الدكتور شريف الحلايقة في مناظرة مفتوحة حضرها جمع من المواطنين والمسؤولين من الحكم المحلي ورئيس النادي أبو الرائد عيايدة  بإقامة منتزه عام ليكون فضاء للأطفال ومسرحا للعبهم ومرحهم، وقال أحدهم ذات مرة: "نطالبكم بإنشاء منتزه للأطفال، رغم أننا غدا سنغادر عمر الطفولة وسيبقى المنتزه للأطفال والأجيال القادة".

 "عندما تم قبوله  في المشروع؛ كان يسيطر عليه  الهدوء والخجل، وعندما حضر اللقاء الأول الذي كان مختلطا بين الذكور والإناث ولأول مرة شعر أنه في عالم ثان، ولكنه الآن شخصية مختلفة تماما من ناحية الجرأة وقوة الشخصية والمشاركة.  

هذا ما حدث بالفعل مع الطفل عدنان عايد حلايقة... نص مقتبس من تقرير ميسرة مشروع "حوارات ومناظرات"؛ السيدة سماح عويضات.

سيبقى أطفالنا هامة للوطن مرفوعة، يبنون ويطورون ويساهمون في نماء الوطن واستقلاله، فعدنان عرض على الطبيب مرتين في الأولى كان طبيبه رئيس البلدية فداوه وأشفى غليله ولبى مطلبه فأنشئ المنتزه الذي حلم به بعد أن وضعنا خطة محكمة أقنعنا فيها ببراءة الطفولة وحب التغيير رئيس البلدية والحكم المحلي وجمهور المناظرة الذي صفق للأطفال... أما المرة الثانية فقد عرض على طبيب المستشفى الذي زف نبأ استشهاده... وفي وداعه نبرق للمسؤولين بأن أريحوا قلوب أطفالنا واستمعوا لمطالبهم. ومهما كبر الهم سيبقى عدنان يلوح في بيئته ومجتمعه كالملائكة وأكثر... كما نطالب رئيس البلدية بربط المنتزه اسما وفعلا وحضورنا بالشهيد المناظر والمحاور عدنان حلايقة... وداعا يا عدنان وسلم على شهدائنا. 

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.