باريس !

باريس

اعرف المدن من صباحها ! صباح أي مدينة بطاقة هويتها ، وعلاماتها الفارقة !

المدن نساء لكل واحدة قصة شعرها ونوع عطرها ، وطريقة مكياجها !

ومن غير هذا الأزرق الذي يفض بكارة يومنا كل صباح بفنجان قهوة ، وجريدة ، وسيجارة بنكهة معجون الحلاقة ، له القدرة على فك الشيفرة السرية لأي مدينة نزورها !

في البال مدن كثيرة زرتها ، وتلصصت عليها صباحا من شباك فندق يعبق برائحة الغرباء !

باريس دلوعة العواصم رأيتها لأول مرة ذات صباح من شباك فندق (الغريب ) اسم رواية البير كامو الشهيرة ، رأيت المدينة المغرورة..

تقضم بدلع قطعة ( الكورو سان ) وتزهو بمستعمراتها القديمة ، وتكتب في اللوموند عن حقوق الانسان !

باريس مقهى حوله مدينة ! صرت بعدها اعتقد ان أي مقهى في العالم يحمل الجنسية الفرنسية !

هذه الباريس المتناقضة التي تصنع طائرات الميراج الحربية ومكياج ( لانكوم ) معا ، التي تتحدث عن حقوق الانسان وحقوق فستان (ايف سان لوران ) ولا تتحمل حجاب امرأة مسلمة في شوارعها !

هذه المدينة التي تطرز على مناشف الحمام اشعار بود لير هي نفسها من كانت تستورد العبيد من افريقيا ، ولأنها باريس التي اخذها جدها نابليون الى كل الدنيا صارت اليوم عاصمة لكل عواصم الدنيا التي تبحث عن رومنسيتها في قفل لقلبها تعلقه على سياج نهر السين ، وتحدق في حيرتها في متحف اللوفر بابتسامة الموناليزا، وتقضم بسكويت ماري انطوانيت في ساحة الكونكورد ، وتضع في كفها حبوب القمح لحمامة تحاول ان تمحو ذاكرة المقصلة ، وتطير تنورة امام سجن الباستيل لتكشف عن حرية سيقانها نكاية بفيزون لويس السادس عشر ، وبين برج ايفل واحدب نوتر دام تحاول باريس السخرية من ذاكرتها الاستعمارية بمهرج يمد قبعته لنقود الضاحكين على ارصفة الشانزليزيه !

ولم يخطر ببال باريس التي كانت تسهر في عطلة نهاية الأسبوع وهي تشرب كونياك نابليون ، وترسم بالنبيذ شفاه حبيباتها ، وتتفرج على احفاد هتلر الالمان الذين احتلوها في لعبة ودية لكرة القدم تحت انظار رئيسها يشجع فريق بلاده على المدرجات ،لم يخطر ببال دلوعة العواصم ان هناك من يعد العدة ليدمي عطلتها ويطلق النار على رومنسيتها ، ويزنر خصرها بحزامه الناسف ويخلط نبيذها مع دمها ، ويحتجز رقصتها ، ويتركها لسيارات الإسعاف تعوي في شوارعها ، وهي تبحث في ذهولها عن عدوها الذي يقفز من مخطوطاتها التاريخية ليرش الدم على سهرتها !

من أطلق النار على باريس ؟

ربما تاريخها الذي خلع أبواب متاحفها ليلا وجاء ليصفي حسابه معها ! او لعلها البربرية التي تركها نابليون في مستعمراتها القديمة ونستها باريس وهي تزين بمكياج لانكوم وجهها وتستعد لسهرة نهاية الأسبوع ، لم تفطن ان هناك من مازال يعيش في كتب التاريخ الصفراء سيخرج اليها ليلا ويشهر سيف ابو سفيان بوجهها ويأخذها الى بيت الطاعة في الرقة لتضاف الى حريم ابو بكر البغدادي الذي نسيته باريس على ضفاف حضارتها يبحث في كتب جدّه ابن تيمية عن الدنيا في السماء ، ويبحث عن صهيل خيوله في ساحة الكونكورد التي وضعت جدها نابليون في المتحف وراحت تسهر في عطلة نهاية الاسبوع !

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.