رسالة إلى العالم

عزيزي العالم، اسمح لي أن اخاطبك بعيداً عن الأنظمةِ الحاكمةِ فأنا على يقينٍ أنك لا تثقُ بالسياسيين ولا تصدقهم مثلي تماماً، وأنهم ينقلون لك هراءً عنا وكذباً كثيرا!

اسمح لي أن أخاطب فيكَ العاديّين مثلنا وأنا بالمناسبة لن أطيلَ عليك.

ولن أعودَ الى العام 1948 فهذا تاريخٌ بعيدٌ مليءٌ بالمكائد والأوجاع ولن يُفيدَنا بشيء!

سأتحدثُ عن الآن فقط:

فنحنُ وبينما تَخبزُ الجدةُ في بلادِ العالم البسكويت لحفيدها، ويخططُ الجدُّ لأولِ رحلةِ تخييمٍ مع حفيدتِه، وتراسل الأم جامعات العالم لتختار الأفضل لابنها، ويعمل الأب ليلَ نهار ليُوفِّرَ لابنه كلَّ أحلامه؛ تُقاتل جدَّتُنا بكاملِ تجاعيدِها لتَسحَبَ حفيدَها من يَدِ الجنديّ، ويَحرُسُ جدُّنا شَجرةَ الزيتون كي لا يقطَعَها ذاتُ الجنديّ، وتقفُ أُمّنا على بابِ الدارِ تَتحزَّرُ إن كانَ سيعودُ ابنها سالماً من رصاصِ الجنديّ، وتضعُ كلَّ مخططاتِها جانباً وتكتفي بمدرسةٍ لا حواجزَ ولا نقاط تماس في الطريقِ بينَها وبين البيت، ويقفُ والدُنا خجولاً من دمعتِه بعدَ أن قَتَلَ ذاتُ الجنديِّ ابنَه قبل أن يشتري له بسكليت!

لن أحدِّثكَ عن الماضي؛ ولا عن المُستقبل فلا وقتَ كافياً لدينا لنفكرَ به؛ سأتحدثُ عن الآن فقط!

هل تُصدّق يا عزيزي أنّنا نُحاربُ جَيشاً يَملكُ سلاحاً نووياً.. بحجر، ويُسمّونَنا إرهاباً؟ هل تُصدق مثلاً أننا ممنوعون من دُخولِ عاصمتِنا.. نعم والله وبأحسنِ الأحوالِ نَزورُها بتصريح ..تخيل! هل تُصدق أنّنا فَقَدنا 73 شخصاً في شهرٍ واحدٍ.. لأن جنديّاً لم يكن بمزاجٍ جيد!

هل تُصدق أنَّ أكثرَ من 729 مواطناً اعتقلوا خلال أقل من شهرين في القدسِ وحدَها، وأنَّ أكثرَ من 200 منهم قاصرون، وهل تُصدق أنَّهم في السجون لا يمتلكون أغطيةً كافية.. هل تصدق أنهم يَشعرون بالبرد!

دعكَ من كلِّ هذا.. هل تُصدق أنَّ الجنديَّ الذي يقتلُ أولادَنا يمنَعُنا من دفنِهم، وعندما يعيدُهم لنا أمواتاً، يُعيدُهم بأعضاء ناقصة!

هل تُصدق أن صديقتي تَبكي كلَّ يومٍ منذُ أكثر من عامٍ وتَكتبُ رسائلَ لأخيها الشهيد، وهل تُصدق أنَّها تكتبُ له كلَّ يومٍ وهو لن يقرأ شيئاً، وهي تعلمُ ذلكَ وتواصلُ الكتابة!

هل تُصدق أنَّنا رغم كلِّ هذا لا أحد يرانا؛ نكتبُ ونصورُ ونوثقُ ونستخدمُ الهاشتاغ ونُترجمُ.. ولا أحد يرانا!

عزيزي العالم، وعدتُكَ أنني لن أطيلَ عليك، وأنا آسفةٌ لأنني فعلت، لكنَّك أنتَ أيضاً أطلتَ بصمتِكَ على دمنا، وأنا لا ألومك، أنتَ لم تكن تعرف وها أنا أُخبرك بعضَ الأشياء.

حسناً حسناً لا تنظر إليَّ هكذا.. نعم يا عزيزي، يحدثُ كلُّ هذا في بلادي فلسطين!
 

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.