نحن قاتلو الشهداء!

الشهيد الحي

عينان فاتنة، أنف ممشوق، فم مفتوح وفيه بقايا سائل أحمر، يدان مفتوحتان ترحيبا بحضور الملائكة، وقدمان اتخذتا قرار السكينة والاستراحة بعد مطاردة شاقة، هو جسد قد هدّ حيله بالكامل ملقى على رصيف شارع مكتظ بالأجساد المغيبة، والأرواح الباكية، وكاميرات تلتقط الصور لمن سرق دور البطل من بطن الحوت.
هذه ليست مقدمة رواية مستساغة وإنما هي محاولة جاهدة لترجمة غير دقيقة لما توثقه  أعين الكاميرات الذكية، فناك صور عديدة اتخذت للجريمة نفسها، وأوجه كثيرة، وروايات طويلة، والأدهى بالتبعات ..التبعات التي ليست من شأن أحد، أو بالأحرى ليست من شأنهم. هم جنود البطل.

الخلاف على الأهداف والإسم ليس بخلاف، فهي هبة جماهيرية، أو انتفاضة ثالثة، أو انتفاضة القدس ...، هذا ليس بخلاف أبدا مهما طال النقاش حوله وعمق وكبر، لأن الخلاف والسؤال وفحوى الجدال هو من القاتل؟ كم عدد المجرمين على هذه الأرض التي قرر الشهداء اعطائها تلك القدسية والعظمة. – في حال كانت تلك الهبات الشبابية أسبابها هي تلك المساعي الاحتلالية الاحلالية إلى تقسيم الموروث الحضاري الديني المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين-.

سؤال من القاتل.. هو سؤال في غاية الأهمية لكن لا داعي له من وجهة نظر العديد لأن جوابه مفروغ منه، ويوميا تقوم الوسائل الاجتماعية والاعلامية المحلية وبعض  الوسائل الاعلامية  العالمية في نشر الجواب. وفي النشر وفحواه  هنا بالضبط يكمن السؤال.

السؤال في نشر صورة الشهيد ودمه الحزين يفر بقوة غاضبة من كل ثقب في جسده، لا داعي لتمثيل أكثر فهذه الصورة التي نعرفها جمعنا، أو بالأحرى أجبرنا للتعرف على أدق تفاصيلها الصادمة. هي صورة ميت .. صورة شهيد مات مقهورا مظلوم.

من قال أننا لا نشارك في قتل الشهيد وذويه مع المحتل، بل نحن نمارس عملية القتل اكثر مما نمارس عملية النضال، نحن قتلى بقصد أو بدون، نقتل الشهيد باصرار وعناد، نقتله ولا نحترمه ولا نولي أي اهتمام لخصوصيته ولا لخصوصية حزن أهله.

نقتله في كل مرة ننشر صوره عاريا ممدا هزيلا، نقتله في كل مرة ننشر صوره وهو مقتولا على الطرقات. ونقتل أهل الفقيد المفجوعين حين نطاردهم بتطفل لنلتقط صورة مذهلة قوية –من وجهة نظر المصور- لدمعة حزينة، أو لنسجل همسة أنين الفقد الخجولة لتضج فيها الوسائل الاعلامية الاجتماعية.

أصبحت لا أبحث واياكم عن انتفاضة ثالثة بوجه المحتل، بل انتقاضة مع الشهداء بوجه الصورة هدفها احترام الخصوصية لا أكثر، فأنا أسمع صوت الشهيد دائما فهو لا يبكي على موته برصاص لعين الغدر بطبعه، بل يبكي نادما لأنه كان الأسد والبطل بوجه الأعداء، ليسقط ويُقدم كفريسة على طبق من الماس لالات ذكية جنودها هم جنود البطل.

نحن لا نحترم أحد لأننا عبيد الصورة التي تقتل الميت مرتين على الأقل، وعبيد التكنولوجيا الجديدة التي أقنعتنا بذكائها أنها مجرد رسول بريء برسالة قد يجهل حتى لما يحمل من فحوى الرسالة ، وهي أصلا الرب الذكي لهذه اللعبة الخطيرة. 

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.