لاعب الدفاع على الطريقة الفلسطينية

لعل أبرز ما تشهده الفترة الحالية التي أطلق عليها البعض -انتفاضة -ربما تيمنا بحال أفضل، أن أغلب المشاركين ودعنا نقول المنتفضين هم من الفئات العمرية التي أبصرت النور بعد أوسلو. إن الهبات والأحداث الحالية التي تعيشها فلسطين  بأقطابها كافة فمن القدس والداخل المحتل عام ١٩٤٨،إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، لهي بحاجة إلى رؤية وغاية ذات معنى لتستمر وتقوى، وإن كل هذه الهبات لا تنطلق من تلقاء نفسها ولا تخدم نفسها بنفسها بمعنى ما قيمة الهبات والانتفاضة إن كان محركها رمادا؟ أو إن كانت أصلا بلا محرك؟

إن شبابا - أو بالأحرى أقصد أطفالا - بعمر الورد يسقط حتى قبل أن تتفتح أزهاره، قل لي ماذا يعرف طفل بعمر العشر سنوات أو ثلاثة عشر عن الموت والشهادة؟ ما الذي يدفع بطفل -لا يبلغ من العمر أكثر من عقد ونصف -لطعن جنود ومستوطنين؟ أي قلب هذا الذي أشبعه الوجع والقهر والظلم ؟، وأي روح هذه التي أنهكتها العنصرية ؟ أيعقل أن يصحو الطفل فجأة فيصبح رجلا لا شابا؟ أيمكن لطفل أن يكبر ويفوق سنوات عمر رجال وشيوخ بتضحيته وتحديه للظلم والاعتداءات والقهر؟

ألا يكفي أن يكبر الطفل على الحواجز إن ذهب لبيته أو مدرسته أو حتى طبيبه؟ وإن لم يكن الحاجز فالمهمة تنتقل لنقاط التفتيش المشكوك في من يحوم حولها محاولا مثلا دخول القدس للصلاة في المسجد الأقصى؟ أيمنع طفل من حقه في اللعب أو الحياة في كل العالم؟ أليس الأجدر بحقوق العالم أن تسن مثلا الحق الذي يضمن للطفل امكانية دخول المسجد أو الكنيسة ليتعلم آداب وأخلاق الديانات السماوية؟

أتستطيع أن تمنع أما من الحزن على ولدها، أو أن تصبر قلبها بكلمات حتى لو كانت كثيرة وقوية؟ أتستطيع أن ترى روح أب تتمزق على ولده، وتحاول جبر روحه من الكسر الذي هشمها؟ أو تستطيع ضم أخ وأخت كان حلمهم أن يشاركوا بعضهم بفرحة النجاح والتخرج مثلا؟ أنا لا أستطيع!!! أوقل لي أتحتمل أن تقتل فرحة النصر بعيون الأصدقاء ببعضهم حين يلعبون كرة القدم مثلا في زقاق المخيم أو القرية أو في المدينة، كيف ستتم المباراة اليوم بعد أن فقدوا لاعب الدفاع؟ أيلعب العالم مباراة كرة قدم بلا لاعب دفاع؟ إن فلسطين تستطيع أن تلعب الكرة بملعب فارغ لا يحمل فيه سوى شهداء وجرحى وأسرى وذويهم ، فما حاجتها لأصحاء معافيين لا يستطيعون حتى تمرير الكرة ضمن فريقهم ؟

إن الوطن قد تعبق برائحة الملاعب المليئة لفترة طويلة، ولطالما ظن البعض أن جيل الفيس بوك أو تويتر أو الانستغرام والكاندي كراش وغيرها لن يقدر يوما على فعل شيء للقضية الفلسطينية، ظنا منهم أن من يعرف اللعب والدلال لن يتمكن من التضحية والدفاع أو حتى تذكر الوطن، ولم يدركوا يوما أن من يستطيع التحمل والصبر لفوز لعبة ذات مراحل، هو نفسه الذي سيخوض كل ما تبقى من مراحل في الحقيقة وعلى الأرض.

لقد ظن كثيرون على مدى أعوام أن الخير والهمة لن تكون في جيل كثرت فيه الإضرابات وتعطيل التعليم، وأصبحت الغاية يوم عطلة إضافي ضمن خطة الاعتماد على الثلوج، وأصبح الحلم والأمل بالجيل الذي يليهم بسنوات لم تأت بعد والذي ربما حمل في جعبته صلاح دين جديد، ولكن أثبت الأطفال قبل الشباب أن القدس اليوم لم يعد يكفيها صلاح دين واحد! وأن فلسطين لم تعد بحاجة لمسيرة سلام وتنسيقات طويلة المدى لم تأت بالأفضل لأحد، وإنما هي بحاجة لمقاومة تختلف أنواعها فقد أناضل بعلمي وثقافتي وقد أناضل بالحجر أو بالرصاصة لا يهم طالما أن هدفنا واحد ولكن ينبغي أن تتبع كل مقاوماتنا منهجا منظما تتآلف فيه كل الفصائل والقوى ويتم وضع برنامج واضح ومحدد ، والأهم أنه مهما اختلفت طرقنا فإن طريق القدس واحد، وعلى البوصلة أن لا تحيد عن الأسرى والشهداء والجرحى وعن صبر أم الشهيد وانتظار أولاد الأسير، وأن طريق الالآم الذي مررنا فيه يوما سيغدو ذات يوم طريق الآمال والأحلام!!

فالأجدر بنا أن نحلم ... فما الحرية إلا حلم يراود صلاح الدين، وصلاح الدين في وطني كثيرون!! أولهم طفل كبر فجأة وأم ذرفت دمعتين ووردة!!..

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.