منسف بالفلفل

غرفة العمليات

أحاول منذ عدة أسابيع أن أكتب في مواضيع أرى فيها من الأهمية للتوثيق ومشاركتكم بها. تنساب من داخلي كثير من المشاعر والأحاسيس والأفكار ولكن أجد في الفترة الأخيرة ولأوضاع البلد صعوبة أن أدون أي منها.

إهتماماتي الإنسانية وكمواطن فلسطيني تتجاذبها قضايا الصحة والخدمات الطبية ، فلسطين والقدس ، التراث والثقافة ، الغربة والهجرة والصمود، الوسطية والتطرف، الحرية والديمقراطية، الموت والحياة وغيرها...

إلا أن نتاجي هذا يتشتت وينصهر في دوامة وإعصارالأحداث وتسارع الوضع الميدانيعلى خطوط التماس.

بعد نصف قرن من العيش والحياة على هذه الأرض مررت وأمر بتجارب حياتية كثيرة، سهلة وصعبة، مثيرة ومميزة، عربية أوغربية وفلسطينية تختلف عن الأخرين او تتشابه وأي من هذه التجارب له طعمه مره أو حلوه.

أقول سرا وعلانية للقاصي والداني، إني لا أخاف الموت لأني أؤمن بالقضاء والقدر فالموت والحياة حقيقة لا ينكرها اثنين، قد أكون مخفيا او مغلفا لمشاعري الحقيقية في ثنايا شجاعة و رجولة وحبس للدموع وجراة الحديث بعيدا عن الواقع..... إلا ان للموت رهبة ، والحياة زائلة فإن جاء أجل أحدنا لن يأخره .

اليوم أقرا لزميلي الأستاذ صالح مشارقة "برد وإسعاف وأسبرين " والتي أثارت شجوني وقاربت واعادت تفعيل ذاكرتي واخرجت للسطح مرحلة مهمة من تجربتي الخاصة .

أحد التجارب الإنسانية التي مررت بها كان بل أصعبها عندما توقف كبدي عن العمل لعدة أشهر عشت بين الحياة والموت متنقلا في سيارات الاسعاف للعلاج من فلسطين ومستقرا في أمريكا في برد كانون الاول والثاني، حتى رزقني الله بكبد من جسد قد مات صاحبه ( رفضت أن أعرف صاحب هذا الكبد حتى الان ولم أطلب أن أعرف ما هو أصله وفصله ).

يقال لي أنني لفترة من الزمن ما قبل تلك العملية الجراحية عشت في حالة من اللاوعي ومرحلة الهلوسة وقبل الدخول للعملية طلبت منسف والمميز كان انني طلبته بالفلفل.

وبعد تجاح العملية الجراحية انا الان على جرعات مستمرة من الاسبرين رغم انه كان ممنوعا عني قبل العملية.

معاناة الكثيرين الصحية والاجتماعية وموت الغفلة واستشهاد الصغار والشباب له رهبة وألم ، إلا أن الحياة والاستمتاع بالصحة وبما يبقينا أحياء له جمالية بالكلمة والتعبير.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.