يوميات محاكمة أسير!

بقلم: 
فارس صقر

أظن بأن الجميع سَمِع عنها، والأغلب جربها، والقليل الذي يعرف تفاصيلها.."محكمة سالم  العسكرية الإسرائيلية ".

الزيارة الثانية لي لحضور محكمة ابن عمي الجريح الأسير "محمد الصقر"، يجب أن تصحو باكراً كي تجهز نفسك وتتجه لغرب مدينة جنين لتصل "سالم".

للوهلة الأولى أمامك حاجز وبوابتين احداهما ضخمة والثانية صغيرة، وبرج المراقبة معلق أمامك في الهواء، تجلس مع الكثيرين لا تعرف منهم أحداً ولكن عليك أن تتعرف، فأنتم لنفس الهدف آتين إلا إذ لم تكن من أبناء التصاريح أو لمراجعة المخابرات الإسرائيلية.

تنتظر حتى تصبح الساعة الثامنة والربع، كي يأتي إلى البوابة جندي اسرائيلي ويفتحها، وبلغة عربية مُكسرة يقول "بديش فوضى وإلا ما حدى بفوت، كلو لورى يرجع، والحجات بالأول".

تدخل من البوابة الصغير، كي تصل إلى غرفة تفتيش كبيرة يدخلون بها كل ٣ أشخاص مع بعض، والأفضل أن تجهز نفسك قبل الدخول إليها بأن تضع كل شيء معدني في ظرف، وأن تتخلى عن "كشطك".

بعد عملية التفتيش الأولى، تذهب في ممرٍ محاط بالشبك يؤدي بك إلى محطة تفتيش أخرى ولكنها أدق، وأنت في الممر تنظر لما حولك تجد كل شيء يفتح النفس فأنت في فلسطين التاريخية المحتلة، تتسع في خيالك، ولكن سرعان ما يصتدم خيالك بالشبك الموجود حولك، بعد نقطة التفتيش الثانية وهي الأدق، تخرج لتجد نفسك في محطة انتظار لما قبل المحكمة.

لا تملك أي شيء في جيوبك، ولكنني أحمد الرب أن الدخان مسموح أن يدخل، لكي لا يصبح الخُلق ديقاً من زائرين ومراجعين والأهالي.

تجلس في محطة الإنتظار، هي بالاسم مكيفة، ولكنك تشعر بالفرح لأن هناك فسحتان، الفسحة الأولى لأنك ترى جبال فلسطين وزيتونها المحتل، والفسحة الثانية تستطيع أن ترى الأسير قبل أن يدخل لقاعة المحكمة لمدة أقل من دقيقة، ومن خلف شبك الباب الفاصل عن المحكمة.

يأتي ذلك الجندي، يصل عند الباب ينادي بعربية مكسرة أيضاً  على آهالي الأسير، كي يدخلو لقاعة المحكمة.

تدخل إلى القاعة، يدب الرعب في قلبك قليلاً، فأنت محاط بجنود مدججون بالسلاح، وأمامك قاضٍ عسكري حاقد على الجميع، تذهب الرهبة والخوف عندما يطل عليك أسيرك بابتسامة جميلة تذهل الجميع والقاضي معنا أيضاً.

تبدأ مراسيم المحكمة، ينصت الجميع، يتلا الاسم يرد الأسير، وتتلا التهم ويرد المحامي، وأنت جالس دون أي حراك، فقط تنظر إلى أسيرك، تنتهي المراسيم بسرعة، ونتائجها بين اعتراف ورفض وقبول، ليحكم بالتأجيل مرةً أخرى، قبل أن تخرج تطلب من القاضي أن تكلم أسيرك، يمنّ عليك بالموافقة ولكن من بعيد، كل الكلام يتوقف على لسانك فأنت لا تستطيع أن تقول شيئاً يسبب له شيء، تطمأن على صحته ومعنوياته هذا يكفي في هذه المرحلة، سرعان ما ينتهي الوقت، يخرجون الأسير من بوابة، وأنت من بوابة، هو عائد إلى سجنه وأنت عائد إلى بيتك، في قلبك مشاعر مجبولة بين فرحة لرؤياه، وغصة لأنه مسجون والتهمة بأنه يدافع عن وطنه، وما أجملها من تهمة، ففلسطين تستحق الدم والرووح أيضاً.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.