تأملات أوسع في الذات

بكر أبو بكر

هنا نقف
نحاول ان نتلمس
حِسّ البكارة
وطفح الجلد
لأول مرة
وصقيل الخدود
المتوردة
ولهاث الدرجات العالية
وعتو امواج القلوب
وساعات العناق مع الريح
هنا نقف
نتأمل
نلتفت
ننكس الرأس
عندما تخاطبنا الفراشة
بكل أدب
فننحني خجلا
وتثير فينا ملمس الجمال
وقهر الحرير
من يد طفل
اكتوى
بنار فراق أمه أو بنار حرب القبائل
او بنار الشوق
لكسرة خبز

لا يكون من السهل في كثير من الأحيان أن تخرج من "حالة" لتدخل في "حالة" أخرى (حالة نفسية /مزاجية/ شعورية ... ) جديدة، ومابين الركون للحالة السلبية والاستسلام لها بلا مقاومة، أو الإدمان عليها وبين الرغبة بالخروج منها هناك "منطقة تقييم وسطى" تحاول النفس فيها ممارسة الشد والجذب مابين موقف الانغماس وبين الخروج فحيث استطاعت عوامل الإدمان على "الحالة" -خاصة السلبية من قلق ،كراهية، سوداوية، حقد، غضب ،ألم ،حزن ، نكوص ، تراخي ....-أن تنتزع موقعاً دائماً فإنها تصبغ الشخصية بسماتها، فإن تكررت أو طالت مدتها سيعرف الشخص بها.

محمد اكتأب من طريقة معاملة خليل له، إذ أنه لم يلتفت إليه عندما قدم للسلام عليه مبتسما راغبا بالحديث، وهو ضمن جماعة، إذ كان خليل مشغولا بالحديث على الهاتف الجوال فكان سلامه سريعا وباردا كما ظن محمد فوقع في نفسه رفض لهذه الممارسة.
وإذ انشغل خليل مع الحضور في مجلسه، وكان محمد يريد أن يطرح أمرا محددا، إلا أنه أحس بالتغافل عنه فقام بعد دقائق وخرج من المجلس مغضبا، ولم يفهم خليل المشغول بضيوفه ماذا حصل.

انخرط محمد في حالة من الغضب والرغبة بعدم المسامحة، وكان يشحن ذهنه بعدد من الصور التي رآها من المشهد، ويحاول أن يراكم عليها ما يؤكد هواجسه وغضبه الذي يتحول شيئا فشيئا إلى كراهية حتى أصبحت الحالة شبه مستقرة (ممتعة) بمعنى أنه استسلم لها وأخذ يشحن ذاته بما يؤكدها مبعدا كل العوامل المناقضة...حتى أدمن المواقف السلبية والنظرة السلبية من صديقه خليل.

أنت مرساة الهدير
حين يزأر
معلنا قدوم النيران
وفيك ميناء الربان
بعد صخب ليلة طويلة
طاردتها الأنواء بشراسة
ويتجلى في عينيك
صراع الفراشات
المحملة بالعطور والنفيس
تحوم بين جدل الأنفاس
المتهدجة
وصعود القمر
وفيك ارتباك العيون
حين ترسم حنين الأرض
مشدودا الى وتر القلوب.
وعندك يتوقف العازف
مطولا
حائرا
بين إقبال الصباح
وحمحة القلم
يتوقف متسائلا بشغف
أيرتكز على كتف السحابات الطويلة
أم يتدلى
من بين الغيوم الحائرات
هي..
قمر
يتوج في الأسحار
حمَامَات الدار
ويتلقى التهاني
بفيض من القبلات
والأحضان الوثيرة
ويرسم بقطرات الماء
أمواجا عالية
على خد الصمت
...المشبع بالرحيق

ليس من السهل أن تخرج من "حالة" إلى "حالة"، لذلك يلجأ الكثير من الناس الذين يرفضون هذه الحالة لعوامل خارجية يحاولون عبرها أن يخرجوا من حالتهم السلبية بالقيام بأمور مثل الشرب أو التدخين أو التنزه أو السفر أو الاكل أو الإدمان على أي شئ، أو اللجوء لصديق ، وإن كان في التغيير كسفر أو زيارة مكان  أو لقاء الأصدقاء ملجأ هام إلا أن حقيقة قدرة "الخروج" الأساس تكمن هناك في الذات.

من الحالة الأولى إلى الحالة الثانية مسافة قد تطول وقد تقصر، فإن كانت الحالة الأولى فرحاً وحبوراً أو ضحكاً وشعورا بالراحة، أوالتوازن، فإن الحفاظ على مثل هذه الحالة يصبح المسعى لا الخروج منها، الا أن منغصات الحياة تأخذك بعيداً فلا تستطيع الحفاظ على هذه الحالة المثالية طويلا ما يستدعي النضال المستمر وجهاد النفس.

الخروج من حالة اليأس والإحباط والغضب والكراهية هو الخروج المطلوب مابين الادمان على الحالة أو الإلف والتآلف معها والاستمتاع بها إلى رفضها، والشعور بأنها خطأ صراع داخلي ليس هيناً، فقد يستسلم الكثيرون للحالة وقد يرونها طبيعية بل (ممتعة)، بل قد يسعون لها، وهنا الخطورة (أنظر استسلام محمد للحالة السلبية من خليل، فكيف الحال إن جاء من يُشعل له هذه الحالة ويؤلبه وهو جاهز للتأليب فمن المحتمل أن تتحول الحالة إلى حقد قد يفضي لمكروه، وأنظر وتأمل في النفس الإنسانية في قصة أخوة يوسف في القرآن الكريم).

في داخلي أنا ممكن "الخروج" فالحالة الانتقالية الوسيطة مابين الحالة الأولى (السلبية) إلى الحالة الثانية (المتوخى أن تكون ايجابية) جهد وسعي وصراع يبدأ بالاقتناع برفض الحالة الاولى وإدانتها والرغبة بالخروج منها ما قد نستطيعه وكثيرون يحتاجون لمساعد خارجي لذلك .

احسست بلحظات النشوة والسعادة الغامرة لفترات قليلة في حياتي، حيث رأيت نفسي فيها ملاكاً يطير بخفة بجناحين، وحين رأيت ذاتي عصفوراً ضاحكاً، وفي غيرها كنت جبلاً يلقى السلام على مياه المحيط ، وكنت صخرة تُقبّل حشائش الأرض وأرجل الكائنات ... وسرعان ما يتلاشى عندي مثل هذا الشعور اللطيف لأعود محاولاً استجلابه، في جهاد نفس طويل، فيصدمني السراب في كثير من الأحيان .

أعود للواقع محاولاً أن (أتوازن) مابين الوصول للحالة الايجابية وحالة السعادة (الطيران) وبين تفهم الحالات السلبية والمداومة على الخروج منها، وفي ذلك حقيقة الانسان الذي لا يستطيع باعتقادي إلا أن يعايش الحالات كلها فينغمس أو يستسلم أويندغم أو يذوب أو يتلاشى، فيدمن أحياناً، لكن متى فَقِهَ ضرورة الانتفاض والخروج يصبح أمام حالة وسيطة (انتقالية) يقارن حُسناً وقبحاً بين الحالة الأولى والثانية فإما يخرج أو ينغمس ويظل يتردد بين الحالات، اما في تذبذب أو حالة يستطيع بها ان يتوازن.

كيف لمحمد أن يخرج من حالته السلبية إن لم يعد لتحليل الموقف بشكل جديد، ينظر في حقائق الوضع واضعا المسيرة الايجابية بينه وبين صديقه على المشرحة النفسية،وإن لم يغلّب عوامل التفهم وعوامل التسامح وقيم التدين الصافية عدا عن أن يسأل صاحبه فلا يغلق الباب على ذاته، وطرق كثيرة داخلية أو خارجية أخرى، لكن المهم أن حالة التحليق والطيران أوتحقيق التوازن والخروج من اليأس أو السلبية تحتاج لفترة تأمل ووعي وبحث في الذات أولا.

لا لستُ أنا من تهوين

فأنت خُزامة الخيام الأصيلة، وقيعان الصواب
لا لستُ أنا من تهوين
فأنت جَرْسُ الناسكات في معزوفة الليل البهيم
والبيت الحرام يؤمه كل العابدين والساخطين
لا لستُ أنا من تظنّين
فأنت ثغر صبح الجنة حين تُحلٌق فوق الرغاء والزبد
وأنت أعشاب الحجاز حين تَحلم بالمطر
وأنت انتباهة الصامت المتبول بعد طول تفكر
لا، لأكررها، لا لستُ أنا من تُحبين
فأنت نياط القلب الآمر، والسهاد الساخر، وأنّات الحيارى
لا لستُ أنا من تعشقين
فلك من العشاق كثيرٌ، ولي من العشاق واحدة
تشرب القهوة وتضحك، وتحضنني، وترثيني حين تشاء
لا لستِ أنا ...مَن تبغين!
أنا لا أستطيعُكِ
فلستُ أنا من تظنين

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.