مشروع القرار الفلسطيني..شرعنةٌ للمفاوضات ودفنٌ لحلّ الدولتين

بقلم: 

من الواضح للعيان أنَّ الضغوط الأمريكية،والتهديد بورقة الفيتو الأمريكي في الأمم المتحدَّة،كان له أثره الواضح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس،والذي يتفرَّد بالقرار الفلسطيني في ظل تغييب السلطة التشريعية،وتغييب دور منظمة التحرير الفلسطينية،هذه الضغوط التي اتضحت جلياً في التعديلات الفلسطينية على مشروع القرار الفلسطيني المقدَّم الى مجلس الأمن.

ما كان الشعب الفلسطيني ينتظره،هو مشروع يضمن وقف النشاطات الاستيطانية،بالتزامن مع مفاوضات لفترة زمنية محددة غير قابلة للتجديد،ومع فترة زمنية محدَّدة لانهاء الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية،ووقف النشاطات التهويدية في القدس الشرقية،والتأكيد على القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية،وتطبيق القرار مائة وأربعة وتسعين والذي يضمن للاجئين الفلسطينيين حق العودة والتعويض معاً،بالاضافة الى رفض أي بند يعارض حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكافة أشكالها،أو ما يسمى بالخطوات أحادية الجانب.

ولكنَّ ما حدث أنه بدلاً من أن تقوم السلطة الفلسطينية بسد الثغرات والمداخل في مشروع القرار والتي قد تتيح لاسرائيل من خلالها التملص من التزاماتها،وجدنا أن مشروع القرار بعد التعديلات التي أجريت عليه،هو مشروع لا يتضمن أي اشارة لوقف النشاطات الاستيطانية والتهويدية الاسرائيلية، ولا أيَّة اشارة لحقوق اللاجئين في العودة والتعويض تطبيقا للقرار مائة وأربعة وتسعين ،بل ولا حتّى التطرق الى موضوع اللاجئين كموضوع للنقاش على طاولة المفاوضات،بالاضافة الى عدم التأكيد على أنَّ المفاوضات يجب أن تكون على أساس أنَّ القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين،وانما جَعَلَ القدس رهينةً لما تفرزه المفاوضات من نتائج،وبالتالي شرعنة العودة الى المفاوضات،وشرعنة الاستمرار في النشاطات الاستيطانية والتهويدية الاسرائيلية،والعودة الى ذات الحلقة المفواضاتية المفرغة،دون أية أسس جديدة تقوم على أساسها هذه المفاوضات.
كما أن مشروع القرار جعل قضايا كالمياه والأسرى كنتيجة أيضا لما تفرزه المفاوضات،وهو ما يفتقر الى صيغة تلزم اسرائيل بالاتفاقات السابقة التي أبرمتها مع حكومة حماس في غزة،خاصة وأنها قامت باعتقال العديد من الاسرى الذين أفرِجَ عنهُم ضمن صفقة شاليط، بل وتنميق استمرار السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني تحت بند ما يسمى بمحاربة الارهاب،وعدم اتخاذ أيَّة خطوات أحادية الجانب .
خلاصة ما تريد ان تصل اليه السلطة الفلسطينية من تقديم مشروع القرار هذا ،هو فقط العودة الى المفاوضات تحت وهم العودة ضمن أسس جديدة ،واحتواء غضب الشارع الفلسطيني على حالة الفراغ السياسي التي تعيشها السلطة،في ظل نبذ السلطة الفلسطينية لخيارات المقاطعة الاقتصادية للاحتلال،ولخيار المقاومة الشعبية والمسلحة ،والاستناد الى قرار دولي لتبرير استمرارها في سياسيات التنسيق الأمني،وبالتالي شرعنة وجودها،دون أدنى اعتبار للثوابت الفلسطينية.
حيث ان السلطة تخشى في حال استخدام الولايات المتحدة للفيتو ضد مشروع القرار،أن تضطَّر الى تنفيذ الوعود التي قطعها الرئيس عباس على نفسه،بوقف التنسيق الأمني والتوجه للانضمام الى  محكمة الجنايات الدوليَّة ،حيث انَّ وقف التنسيق الأمني يهدد وجود السلطة الفلسطينية في حال نشوء حالة من المقاومة المسلحة تسقط شرعية الحل السلمي الذي قامت على أساسه السلطة،وبالتالي فهي مستعدة لتقديم التنازلات في سبيل تجنب اللجوء الى مثل هذه الخطوة،رغم وجود اجماع فصائلي فلسطيني الى ضرورة وقف التنسيق الأمني والتوجه الى محكمة الجنايات الدولية.

حالة الفراغ السياسي هذه تهدد فكرة حل الدولتين في ظل استمرار اسرائيل في سياساتها الاستيطانية والتهويدية ،والتي تحاول من خلالها فرض حلول على أساس الأمر الواقع،ومنع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة،والمطلوب من السلطة اما تعديل مشروع القرار بما يضمن الحفاظ على الثوابت والحقوق الفلسطينية،أو سحبه من أروقة الأمم المتحدة،مع ضرورة وقف التنسيق الأمني،والتوجه الى محكمة الجنايات الدوليَّة.

 

   

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.