ما وَراء عَملية أَسر الجُنديّ الصَهيوني

لَقد استيقظ الشّعب الِفَلسطيني صَباح يوم الجُمعة عَلى نَبأ مَفاده أن المُقاومة الفِلَسطينية قَامت “بخطف” جُندي صَهيوني في مَدينة رَفح بعد عَملية فِدَائية هُناك. لَقد كَان هَذا الخَبر بِمَثابة قُنبلة مَوقوتة انفَجرت، حَاملة مَعها مَادة إعلامية دَسمة للصَحافة الفِلَسطينية قَبل الأجنبية وَانطلقت مَعها التَحليلات وَالتَصريحات. وَفي ظل صَمت المُقاومة الّذي رَافق السَاعات الأولى الّتي تَلت العَملية الفِدَائية. لَقد كَان العَدوّ الصَهيوني هو مَصدر المَعلومات وَالمُحتكر الرَّسمي لرواية التيّ تَبنتها جَميع وَسائل الإعلام دون استثناء. لَم تَنتظر وَسائل إعلامنا أي تًأكيدات مِنْ المُقاومة بَل جَزموا وصَدقوا ونَشروا تِلك الروايات، مُتناسين كَذب العَدوّ المُستمر وَهَرطقاته الإعلامية، مِن أجل تَحقيق سَبق صِحفي، وَزيادة عَدد المُشَاهدين من دون الاكتِرَاث بِمدى مِصداقية الخَبر. وَلكن السُؤال الجَوهري الآن وَبعد مُرور 24 سَاعة على العَملية، هل هُناك جُندي صَهيوني أسير لَدى المُقاومة الفِلَسطينية؟

حَتى لَحظة كِتَابة المَقال لا يُوجد أي جَواب عَلى هَذا السُؤال، ولكن نَستطيع أن نَقول أن هُنالك أمر مُريب في هَذه العَملية بالتَحديد، وَطَريقة تَعامُل الحُكومة الصَهيونية والإعلام الصَهيوني مَعها. بِدءاً بِعَملية تَسريب الخَبر لِوَسائل الإعلام، حَيث أن العَدوّ الصَهيوني عَودنا على التَكتُم عَن عَملياته العَسكرية وَخسائره البَشرية، وَالإعلان عَنها بَعد مُضي فَترة مِن الزَمن عَليها، وَلقد رَأينا ذَلك بِالأمس القَريب بَعد الإعلان عَن اختِفَاء الجُندي الصَهيوني “شاؤول ارون” بَعد عِدة أيام مٍن إعلان المُقاومة أسرها لَه فِي عَملية فِدائية. ومما يَدعوا للدَهشة في عَملية الأمس سُرعة الإعلان عَن “أسر الجُندي”، وأقول هنا “أسر جُندي” وَليس “اختفاء” جَازمين بِذلك أنه أُسر وَموجهين أصابع الإتهام إلى المقاومة الفلسطينية عَلى الرّغم مِن عَدم وُجود أي دَلائل عَلى ذلك أو الإعلان مِنْ أي فَصيل فِلَسطيني عَن تَبنيه لِعَملية الأسر، مما يَضع عَلامات استِفَهام كَثيرة حَول المَوضُوع.

إن الحَملة الإعلامية وَالدُبلوماسية الشَرسة التيّ تَبعت الإعلان الرَّسمي الصَهيوني عَن “اختِطاف” الجُندي الصَهيوني في رَفح صَباح الأمس، تُعيد إلى الأذهان الحَملة الإعلامية التيّ تَرافقت مَع اختِفَاء المُستوطنين الصَهاينة الثَلاثة في الخَليل وَما تَبعها مِن تَصريحات رَسمية صَهيونية مِن اتهام صَريح لِحَركة حَماس بِالوقوف وَراء تِلك العَملية وَتبني الإعلام المَحلي وَالدولي لذلك الخِطَاب وَالذي تَرافق بإدانات دولية وأممية وَحتى عَربية، دُون وجود أي دَليل عَلى تَورُط حَركة حَماس في ذلك، والذي أُثبت فِيما بَعد زَيف هَذه الإدعَاءات وأن الاحتلال الصَهيوني هو مَن كَان وَراء تِلك العَملية.

لَقد كَانت عَملية الخَليل مُفتاحاً لإخراج الاحتلال مِن عُزلته الدُّولية بَعد تَحميل الإدَارة الأمريكية لِحُكومة الاحتلال مَسؤولية فَشل مُفاوَضات “السلام” فِي نِيسان المَاضي، وَالمُبرر – الّذي لا يَحتاجه العَدوّ- لاستباحة المَزيد مِن الدَّم والبَيت والأرض الفِلَسطينية ولاعتقال المئات مِن الفِلَسطينيين. هَا هي الشُبهات اليَوم تَدور حَول مِصَداقية إدعَاءات الاحتلال الصَهيوني مِن أنَهُ هو مَن قَام “بفبركة” عَملية “اختطاف” الجُندي الصَهيوني في رَفح عَلى غِرار عَملية الخَليل مِن أجل أنْ يُخرج نَفسه مِن مَأزق غَزة وفي مُحاولة مِنه لِتَحويل المَسار السياسيّ وَالدُبلوماسي إلى صَالحه بَعد الهَزائم التيّ مُني بِها عَلى الأرض مِن قَبل المُقاومة الفِلَسطينية، وَمِن أجل تَحسين شُروط التَفاوض عَلى وَقف اطلاق النار مَع المُقاومة في القَاهرة. وَها هو المُجتمع الدُوليّ وَالعربيّ يَقع فَريسة الخِطَاب الصَهيوني مَرة أخرى وَيدين “عَملية الخَطف” المَشبُوهة عَلى الرّغم مِن نَفي المُقاومة الفِلَسطينية وَالقِيادة السياسية لِفَصائل المُقاومة الإدعاءات الصَهيونية، وَغياب الأدلة وَالبراهين لإثبات تِلك الاتهامات، عَلى غِرَار عَملية الخَليل.

يَبقى مَصير الجُندي الصَهيونيّ مَجهولاً، مَتروكاً لِلأيام لِتَكشف تَفاصيل وَخَبايا اختِفَائه المُريب، حَتى ذَلك الوَقت حَصلت اسرائيل عَلى مُبتغاها مِن هَذه العَملية، حَصلت عَلى غِطَاء دُولي وأممي للاستِمَرار بِعَمليات الإبادة الجَماعية لِكَافة الفِلَسطينيين فِي غَزة. وفي سياق الرّد على كُل ذلك يَجب عَلى القِيادة الفِلَسطينية تَحمل مِسؤولياتها اتجاه الشَعب الفِلَسطيني فِي غَزة وأن تَكون أداة لِدَعم صُمودهم ولَيست أداة لِجَلدهم، يَجب العَودة إلى مُنَظمة التَحرير بَعد فَشل مَنظومة اوسلوا، وَالتأكيد عَلى أن حَق المُقاوَمَة -بِكَافة أشكالها– حَق مَشروع للشَعب الفِلَسطيني المُحتل بِمُوجب المَواثيق الدُولية وَاتفاقيات جينيف، وإن مَا تَقوم به المُقاومة في غزة هو دَفاعاً مَشروع عَن النَفس ضد المَشروع الصَهيوني الفَاشي الذي يَشن حَرب إبادة جَماعية عَلى الشَعب الفِلَسطيني أمام مَرأى ومَسمع العَالم مُنذ أكثَر مِن 66 عَاماً.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.