الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد" يقود معركة غزة 2014

الشهيد خليل الوزير

عِندما رَحل أول الرَّصاص وَأول الحِجَارة "أبو جهاد" في 16 نيسان 1988 تَيتمت بُندقية الثَورة وتَشتت بُوصلة الفدائي. انحلت مَسبحة المُنظمة حتّى خَلعوا بِزاتهم العَسكرية وارتدوا بدلاتهم ايطالية ودخلوا جُحر الأفعى لِيُفاوضوا عَلى حَقهم فِي فِلَسطين مُتَناسين مَن هو عَدوهم على الرَغمِ مِن النُدوب التيّ خَلفتها مَعركة بَيروت على أجسَادهم.

مُنذ نَكبتنا المَجيدة عَام 1948 عَرف العَالم كُله أن المَشروع الصَهيوني هو مَشروع استعماري استيطاني فَاشي تَوسعي إحلالي يهدف لاقتلاع الشَعب الفلسطينيّ مِن جُذوره وَتَاريخه فِي أرض فِلَسطين وإحلال المُستعمرين المُهاجرين الصهاينة مَكانه، عَلى الرَغم مِن ذلك تَنكرت قِيادات الثَورة الفِلَسطينية المَعاصرة لِهذه الحَقائق ودَخلت جُحر الأفعَى وَشربَت مِن سَمومها التي حَولتهم مِن قِيادات حَركة تَحرر وَطني إلى مُدراء غَير تَنفيذيين فِي شَركة استِثمارية لإدارة شؤون بعض التَجمُعات السُّكانية الفِلسطينية في المناطق المُحتلة عام 1967.

لَقد كَان اغتِيال مُؤسسي الثَورة الفِلسطِينية المَعاصرة أواخر الثَمانينات أوائل التِسعينات السَبب الأبرز لِهَذه السَقطة القَاتِلة للثورة إلا أنْ الشَهيد أبو عمار استَيقَظ مِن غَفَوتِه وَحَاول تَصويب الأمُور بِتَبني الإنتِفَاضة الفِلِسطينية الثَانية "إنتفاضة الأقصى" وإطلاق أيدي المُقاوِمين، إلا أنهم حَاصَروه وَاغتَالوه لأنه يُشكل حَجر عَثرة أمَام تِجَارتهم واستِثَماراتِهم.

بَعد رَحيل اليَاسِر استَلم مُهَندسوا أوسلوا زِمَام الإدَارة، فَأصبَح الصَهاينة يُحَركون دُماهم بِخُيوط وَاضِحَة عَلى المَلأ بكل وَقاحة عَلى عَكس رَاقصي الدُّمى فِي مَسارح الدُّمى العَالَميّة الّذين يَسعُون جَاهدين لإخفَاء تِلك الخُيوط عَن الجُمهور. لَقد كَسب الإحتِلال الصَهيوني الوَقت وَحَقق جَميع مُخَططاتِه فَلقد حُشرت التَجمُعات السُكَانية للفِلسطينيين بِجِدار الفَصل العُنصريّ وَالمُستوطَنات وَالقَوانين العُنصرية حَتى فَقدوا أبسَط الحُقوق الإنسانيّة المَكفُولة بِالشرائع الإنسَانيّة الدُوليّة.

وَفي سَبيل إنهَاء التَواجُد الفِلَسطيني عَلى الأرض وَمِنْ أجل التَخلُّص مِن مَليون وَنَصف فِلَسطيني مِن الكَثافة السُّكانية عَلى أرض فِلَسطين – وكَجُزء مِن الصِّراع الدِيمُوغرافي– عَمِل الإحتِلال الصَهيوني عَلى سَلخ قِطَاع غَزة عَن طَريق كِذبَة الإنسِحَاب أُحَادي الجَانِب في آب عام 2005 وَالتيّ صَدقَها القَريب قَبل الغَريب، أما الحَقيقة فَهي تَحويل غَزة إلى أضخَم سِجن بَشريّ عَرفه العَالم مُنذ تَاريخه.

لكِن سُرعَان مَا تَبددت أوهَام الإحتلال الصَهيوني عَام 2006 مَع احتِجَاز الجُندي الصَهيونيّ الفرنسيّ "جلعاد شاليط" في عملية فدائية في رفح، حيث فَشل الاحتِلال مِن تَحريره عَلى الرَغم مِن تَرسانته العَسكَرية الضَخمَة وأجهِزَة مُخَابَراته الحَديثة عَلى مَر 5 سَنوات، وَفي النِهَاية فَرضَت المُقَاومة شُروطها بِتَحرير الأسرى. لَقد أعادَتنا عَملية شَاليط الفِدَائية وَصفقة تَبادُل الأسرى إلى سَبعينات وَثَمانينات القرن المَاضي، التيّ تَميزَت بِعَمليات تَسلُّل الفِدَائيين إلى لأراضي المُحتَلة وتَنفيذ عمليات فِدَائية فِيها مِثل سَافوي وَعَمليات خَطف الطَائرات وَالعَديد مِن العَمَليات الفِدَائية التيّ قَرئنا عَنها فِي الكُتب وَسَمِعنا عَن أبطالها قِصص، وَزينا بصُوَرهم جُدران غُرفِنا، فَمن مِنا لا يَعرف دَلال المُغربيّ وَرفاقها أو ليلى خَالد وبطولاتها؟

عَلمَنا الأباء المُؤسسين لثورة الفِلسطينية وِعلى رَأسهم أبو جهاد إنَّ الصِّراع مع الاحتلال الصَّهيوني بِطَبيعته مَوسُّوم بِالعُنف، وَظاهرة الإحتلال الصهيوني هي فِي جَوهرها استمرار فِي فَرض العُنف القَمعي عَلى الِفَلسطينيين، ولا يُمكن مُواجهة نَظرية العُنف الصَهيونيّ إلا بِنَظرية عُنف فِلَسطينية "مُقاومة" تَكون مُتَفوقة عليها.

لَقَد أعادَت عَملية شاليط الفِدَائية الرُّوح لِلمُقاوَمة، وأحيت رُوح الوَزير أبا جِهَاد مِن قَبره في مُخيم اليَرموك فِي دِمَشق لِيَعود لِيُخَطط وَيقود العَمَليات الفِدائيَّة مِن جَديد. نَهضَت المُقَاومَة مِن بَين رَماد الهَزيمة والإستِسلام وَجهَزت عَتَادها لِمُواجه المُحتل مِن جَديد، لِتُحول الحُّلم الّذي حَدثَنا عَنه أبو جهاد فِي نِداءات الإنتِفَاضة عَام 1988 إلى حَقيقة، تَحولت غَزة إلى قَلعة المُقَاومة نَحو فِلَسطين وَمركز لِقيادة العَمليات الفِدَائية ضِّد المُحتّل الصَهيوني الّذي لا يفهم إلا لُغة القُّوة.

خَاضت وَمَازالت تَخوض غَزة وَمُقاومَتها البَاسلة أشرَس المَعارِك فِي مُواجهه الإحتِلال الصَّهيوني، لَقد أستَلم أبناء القَسام شُّعلَة الكِفَاح مِن جَيش العَاصِفَة لِيُكملوا بذالك درب الفِدَائيين نَحو فِلَسطين. لقد أحيَت غَزة مِن جَديد مَعركَة الكَرَامة وَملحَمة بَيروت، لَقد أعادَت غَزة أمجَاد الثورتنا وَنفضَت عن ذَاكرتنا الغُّبار.

ها هو أبو جِهاد يَعود اليوم لِيَقود الفِدائيين فِي مَعركتهم مَع الإحتلال عَلى أرض غَزة، فَنرى لَمساته العَسكرية فِي إدارة مَعركة اليَّوم، فَعِندما نَرى ضَفادع القَسام البَشرية، نَتذكر عَملية الساحل "الشاطىء" بِقيادة دَلال المُغربيّ في العام 1978، وَعندما نُشاهد قَصف "ايلات" و"ديمونا" نَتذكر عَملية قَصف ميناء "ايلات" عام 1979 وَعملية مُفاعل "ديمونة" عام 1988، وَعندما نقرأ عَن عَمليات التَسلل وَمُحاولات أسر الجُنود مِن أجل عَمليات تَبادُل الأسرى نَتذكر عَملية فندق "سافوي" في "تل ابيب" 1975 وَعملية أسر 8 جُنود صَهاينة في لُبنان عام 1982 وَمُبادلتهم بِنَحو 4500 أسير عَربي وفِلَسطيني.

أجادت كتائب المُقاومة الفِلسطينية إدَارة المَعركة بناءاً على توجيهاتِ أبا جِهاد، حَيث تَقوم المُواجهة عَلى مَبدأ تَوازن الإرادات وَليس تَوازن القُوى أو تَوازن المَصالِح، وبإدامة حَالة الإشتِبَاك وَالوضع القِتَالي وَتَحويل الإستِنـزَاف مِن مَجال التَكتيك إلى المَجال الاستراتيجي، بِالاضافة إلى الحِفَاظ عَلى التَماس المُباشر مَع العَدوّ، وَعدم السَماح له بِقَطع خَط التَماس والتَغلغل دَاخِل القِطَاع، وَالتَركيز عَلى نَقل المَعركة إلى قَلب العَدوّ وَالتيّ كَانت جَلية فِي صَواريخ المُقاوَمة والطَائِرات بِدون طَيار. كَما وَتركز المُقَاوَمة الفِلَسطينية عَلى البعد النَفسيّ والمَعنويّ لِلعَمليات العَسكرية، حَيثُّ إنَّ لِلعُنف الثوري وَالكِفاح المُسلح كَما عَلمنا أبو جهاد وَظيفة سَوسيولوجية تَتعلق بإعادة بُنية المُواطِن وَتَفوقه المَعنويّ.

لَقد أسقَطت غَزة كَثيراً مِن النَظريات التَخاذُلية، كَما وَأسقطت أيضَاً أوهَام البَعض وَرهاناتهم عَلى عَملية السَلام مَع الإحتلال، المَطلوب الآن أن نَكون بِمُستوى المُواجهة أو لا نَكون. لَقد عَلمتنا تَجارِبُنا أن صِرعَنا مَع هَذا الإحتلال صِراع بَقاء وَوجُود، فِإما أن نَمُوت بِصمت المُستَسلمين أو أن نَموت فِدائيين فِي عَملية بَحثنا عَن حَقنا فِي العيش بحُرية وكرمة. وكما قال قائدنا وأمير الشهدائنا أبو جهاد:"رأسنا سَيبقى في السَماء، وأقدامنا مَغروسة فِي تُراب وَطننا، جَماجمنا نُعَبِدُ بها طَريق النَصر والعَودة الأكيدة، البُوصلة لَن تُخطئ الطَريق، سَتظل تُشير إلى فِلَسطين."

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.