لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي مثل "اللي رايح عالحج والناس مروحة"

لا أستطيع ان امنع نفسي من الغضب في كل مرة اسمع فيها خبرا يتعلق بلجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي التي تشكلت بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس قبل عام أي بعد نيل صفة دولة "مراقب" في الأمم المتحدة.

التواصل مع المجتمع الاسرائيلي هو ليس حالة جديدة وفريدة على الفلسطينيين وانما هي حالة مستمرة منذ ما يقارب ثلاثة عقود ماضية دفع ثمنها أشخاص آمنت بالفكرة واعتقدت خاطئة بأن الاسرائيليين والرأي العام الاسرائيلي سيكون المعجزة التي ستقلب المعادلة وتضع اسرائيل بالزاوية من خلال ربما حكومة اسرائيلية يسارية معتدلة تؤمن بالسلام العادل والشامل.

وعندما نتكلم عن بدايات هذا التواصل لا بد لنا ان نذكر عراب الحوار د. عصام سرطاوي الذي كان مستشارا للشؤون الخارجية لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية وعضوا لمجلسها الوطني وايضا عضوا للمجلس الثوري لحركة فتح في السبعينيات والتي كانت انذاك حركة تحرروطني هدفها الأول والأخير هو تحرير فلسطين التاريخيه عن طريق الكفاح المسلح. واغتيل د. سرطاوي على يد مجموعات ابو نضال في البرتغال بعد سنتين من أول لقاء. فقد كان اللقاء الأول للسرطاوي مع اسرائيليين هو عام 1976 في باريس مع مجموعات تعترف بالحق الفلسطيني في تقرير المصير.

واستمرت القنوات مفتوحة حتى يومنا هذا لمجموعات اسرائيلية مختلفة مع فصائل وجهات فلسطينية منها الرسمي ومنها غير الرسمي انطلاقا من فكرة ان نبقي كافة الأبواب مفتوحة وبنفس الوقت الحفاظ على حقنا في المقاومة المشروعة بكافة السبل ضد الاحتلال الغاشم على ارضنا في فلسطين التاريخية.

استمرت الحوارات منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا على أمل أن يحدث المجتمع الاسرائيلي تغييرا في ارائه وافكاره والعمل من أجل إحلال السلام الفلسطيني – الاسرائيلي العادل في المنطقة.

أنا أؤمن بأن التجربة مهمة لتحديد الرؤيا المستقبلية في مسألتي التحرر الوطني أو العملية السلمية او الموازاة في العمل ما بين المقاومة والمفاوضات على أن لا تكون واحدة على حساب الأخرى. ونحن أكثر شعب يستطيع ان يدرك نتائج التجارب التي مر بها والبناء على اساسها. ولا يوجد أي خلل بالاعتراف بفشل التجربة او تغير السياق الذي ادى إلى نتائج غير مرغوب فيها.

فأوسلو على سبيل المثال وفي وقتها كانت حسب السياق الفلسطيني نتيجة "لفشل" الكفاح المسلح منذ الستينات ولم يعد في مقدورنا كفلسطينيين الاستمرار بهذا النهج بسبب ظروف اقليمية ودولية موضوعية.

ويبدو أن "الفشل" يؤدي إلى "فشل" أكبر سببه وببساطة مطلقة أن الاسرائيلي لا يستطيع ولا بأي حال أن يخرج من فكرة الصهيونية التي تقوم على يهودية الدولة واستحالة الاندماج  والذوبان في فكرة الضحية. هذه مسائل متأصلة في داخل كل يهودي واي توجه سياسي يعتمد بالدرجة الأولى على تلك القناعات التي كبرت معهم وبقيت معهم واستخدمت كتبريرا لأي فعل ارهابي حقيقي ضد ابرياء. أصبحت مسألة "الأمن والأمان" العقدة والتبرير لأي انتهاك  لحقوق الانسان الاساسية حتى بات ايضا اليسار الاسرائيلي مقتنعا بأن ما تفعله اي حكومة يمينية ضد الفلسطينيين هو مبرر ومفهوم نتيجة للخطر الذي يمر به "شعب اسرائيل". ولا يمكن القبول بأي حل مهما كان على حساب الأمن والأمان الاسرائيلي حتى وان كان يتنافى مع تعاطفهم مع فكرة الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره. و أعتقد انه هناك ضرورة ان نبرز مؤشرات فشل اوسلو الذي تجلى باغتيال اي صوت اسرائيلي ممكن ان يكون متعاطفا مع فكرة السلام كما حدث مع رابين، او القرار الاسرائيلي احادي الجانب في غزة، او بناء الجدار وضم اراضي في الضفة الغربية، او شن حروبا شعواء على قطاع غزة وسقوط عددا كبيرا من الضحايا تحديدا الاطفال وابسطها عدم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية والتهرب من تطبيقها دون ان يحرك ساكنا من قبل المجتمع الدولي.

اسرائيل لا تستطيع ان تعيش الا في وضع اللا حرب واللا سلم وبالتالي يجب علينا ان نفهم نحن اولا أن اسرائيل لن تحقق السلام حسب الشرعية الدولية ولا تحت اي ظرف والتجربة أكبر برهان. لا اعتقد ان تجربة عمرها اكثر من ستون عاما ليست كافية حتى تتحقق القناعة الفلسطينية بأن اسرائيل بشعبها لا يريدون السلام. ومن هنا يجب علينا ان نعيد النظر باستراتيجية الخصم من أجل ان نتعامل معه بالند وليس كطرف اضعف تحديدا بعد "انجاز" الدولة في الأمم المتحدة.

أكبر انجاز في مسألة الدولة هو اعتراف العالم بأن فلسطين موجودة وضمن حدود واضحة وهي حدود عام 1967 ولا يجب ولا بأي حال ان تكون الحدود ضمن اجندة مفاوضات اي طرف لأن هذا الموضوع ودوليا اصبح من المسلمات. وإن كان سيخضع للمفاوضات فليكن ولكن على أساس أننا كطرف فلسطيني نحن من نملك حق التنازل او التبادل او ايجاد صيغة ما. انا لست بصدد التدخل بالجانب السياسي ولكن لا بد من المرور عليه لأن الشعب هو من يصنع حكومته او قيادته، وبالتالي الشعب الاسرائيلي هو من يأتي بالحكومة وهو مصدر الامان والقوة لهم. وهذا ما لم تستطع منظمة التحرير الفلسطينية ان تفعله مع الشعب الفلسطيني. لم تفهم منظمة التحرير بأن الشعب الفلسطيني هو امنها وامانها وهو قوتها في اي حرب تخاض ضد العدو كيفما كانت عسكريا او سياسيا.

منظمة التحرير برئاستها ولجنتها التنفيذية اخفقت بتأسيس لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي من حيث الزمان والسياق. وهنا لا بد ان نعيد تكرار مسألة انجاز الدولة غير العضو في الامم المتحدة لأن هذه مسألة مفصلية ممكن ان ترفع من مدى قوتنا من حيث قدرتنا على معاقبة اسرائيل على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده من خلال القانون الدولي والشرعية الدولية وغيرها من الطرق الديبلوماسية التي نستطيع استثمارها لتهديد وحرب اسرائيل. فنحن في وضع اقوى ان اردنا ذلك. فكان الاجدر للمنظمة ان تركز كافة جهودها على معارك امكانية النجاح فيها عالية بدل ان تخوض معارك نتائجها معروفة كمسألة الحوار مع المجتمع الاسرائيلي في هذا الوقت تحديدا وتحت مبررات ضعيفة كما جاء على لسان رئيس اللجنة محمد المدني في مقابلته مع "غال برغر" كما نشر في معا بأن الجانب الفلسطيني من خلال الحوار "يحاول إقناع الشعب الإسرائيلي وقادته إن مهمتنا هي إدارة حوار والإقناع وأنا لا أريد التدخل في الشؤون الإسرائيلية لكن يجب على الإسرائيليين أن يفهموا ما هي مصالحهم نحن نحاول الحديث عن التفهم والتفاهم نريد أن يكون في إسرائيل أشخاص وجهات وتيارات مؤثرة تقنع المجتمع الإسرائيلي بمصالحه وان تقنعه بان هناك جيران"!! وهل هذا بحاجة لاقناع!!

أتفهم أن تشكل لجنة تبحث استراتيجية عمل جديدة، أو تبحث اسلوب جديد للتعامل مع عدو اسرائيلي مستهتر بشكل كامل بالوجود الفلسطيني لا أن تشكل لجنه أولا تكرر تجربة سابقة فاشلة وثانيا تفتح المجال أمام مؤسسات مجتمع مدني باستخدام هذه اللجنة كمظلة لسياسة تطبيعية بين الشعبين بمعزل عن تأكيد اسرائيل بأنها حكومة احتلال والتعايش مع الشعب الاسرائيلي كشعب صديق. لا نستطيع في هذه المرحلة ولا تحت اي ظرف ان نعبث بهذه القضية تحديدا لانها تفشل ما انجزته حركة المقاطعه وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على مستوى دولي من حيث اعطاء المجال لتبرير عدم المقاطعة تحت اطار بأن الفلسطيني لم يقاطع فلماذا نقاطع؟ وأن الشعب الفلسطيني تجاوز مسألة الاحتلال فلماذا علينا ان نتحملها نحن وها هم يتعايشون!! ومن جهة أخرى تهدد الانجاز العالمي بعزل اسرائيل دوليا على الاقل على المستوى الشعبي. فالتأييد الذي وصلنا له لحين إعلان الدولة كان غير مسبوق شعبيا في العالم وبدأت اسهمنا بالتراجع مع بدء المفاوضات والعبث من حيث مسألة الحوار بين الشعبين. فاللجنة اعطت الضوء الأخضر لاي كان بفتح علاقات مع العدو دون حسيب او رقيب ودون سقف ودون رؤية وتبعث شعورا غير مريح بعبثية استخدام الحوار من أجل اهداف غير واضحة او هذا ما نشعر به كمتفرجين ومتفرجات للمشهد الحواري القديم الجديد على الأقل!

على اللجنة ان تبتكر اساليب جديدة في تعزيز ثقافة السلام وطنيا وعلى مستوى فلسطيني فقط قبل تكرار التجربة الفلسطينية المستمرة المستهلكة التي لم ولن تحقق اهدافها في خلق مجتمع اسرائيلي ديمقراطي يقبل الفلسطيني ويؤمن ايمانا صادقا بأن لفلسطين وجود وكيان وحق في تقرير المصير والعيش بسلام...وأن تعكس هذه بمؤشرات واضحة قابلة للقياس في مدى تأثير الرأي العام الاسرائيلي على فرز حكومة تحقق ذلك على أقل تقدير...ما نراه هو حكومات يمينية متطرفة متعاقبة متشددة أكثر مما قبلها...لذلك واجب اللجنة بالدرجة الأولى دعم الشعب الفلسطيني واحترامه وعدم الاستهتار بعقله وضرورة ترسيخ قناعته بأن السلام مكلف ولكنه اقل تكلفة من الحرب التي تخوضها ضدنا كل القوى الاستعمارية. ولكن إن كان السلام مكلفا للغاية كما هو الآن والخسارة أكبر بمقياس الربح والخسارة فيجب علينا ان نكون جاهزين لمعارك قادمة ممكن ان تكون اشد قساوة ولكنها ستكون أكثر نقاء وأكثر كرامة وأكثر حبا وانتماءا لوطن لا نريد ان نفقده...

دور اللجنة يجب أن يركز على إعداد الكادر الفلسطيني الذي سيؤهل لأن يكون سياسيا في اي حوار سيعقد في وقته المناسب وفي نفس الوقت إعداده ليكون جنديا مضحيا في معركة التحرر الوطني طالما الاحتلال موجود...وعندما يحين موسم الحج نكون في كامل جهوزيتنا لشد الرحال إلى مكة في موعده المحدد لنعيش قدسية الحدث بقلب واحد ولنسمع العالم صوتا واحدا يقول...الله...الوطن...الشعب ... فلسطين حرة...فلسطين دولة...

 

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.