الاحتلال المصري لمصر

العالم العربي ربما الآن بأسوأ حالاته سواء أكانت الاقتصادية أم الاجتماعية أم الفكرية أم السياسية أو كلها مجتمعة وليس لنا لوم فئة على فئة أو طائفة على طائفة فالعوامل كلها تأتي ضد مصالح الشعوب العربية وفي خدمة بعض البرجوازيين والمالكين والسياسيين ورجال الدين وأكبر منهم مصلحة الكيان الصهيوني.

 الخروج في استنتاجات متسرعة وتصديق كل ما يتم الحديث عنه هو جزء من الفراغ الفكري المنتشر، وبعد فإننا أولاً يجب أن ننظر إلى الأمور بمصر بشكل أوسع من مجرد قتيل في الشارع من أي طرف كان، والبدء بحديث عن حرب ضد الإسلام وحرب ضد الإخوان وحرب ضد الجيش وكل هذه الاستنتاجات التي يفتيها كل لصاحبه، فالجيش وكما نعلم أو هو ما ظهر مؤخراً بشكل كبير أن استقلالية الجيش ليست استقلالية سيادية فالداعم للجيش المصري هو الولايات المتحدة الأمريكية التي بسيطرتها على الجيش الذي دمر خط بارليف سابقاً ومن بعدها جاء التحول الأمريكي بالموقف المصري وبمصر نفسها وبمساعدة السادات الذي ساهم بشكل كبير فيما يحصل الآن بشكله التتابعي، بنقل مصر ليس لمحايد فقط بل تدريجياً لحليف وأداة أمريكية ولخدمة إسرائيل، وعملية قطع المساعدات الأمريكية للجيش ليست في مصلحة أميركا وأدواتها خوف من انتقال الجيش لجبهات أخرى أو لحلفاء آخرين كروسيا، وللحفاظ على أمن اسرائيل، والإخوان المسلمين الذي جاؤوا إلى الحكم كحل مبدئي لاستمرار الثورة المصرية ولكن للأسف الاخوان المسلمون بمرشحهم الرئيس محمد مرسي الذي لم يستطع القيام بأي من وعوده الأولية بل وازداد الوضع سوءاً وأصبح الشارع المصري بحالة تسخين مستمر حتى الغليان بالمظاهرات المليونية، نتيجة الأخطاء المستمرة لجماعة الإخوان، وهذه ليست بحرب على الإسلام، فالإخوان المسلمون في عهد كل رئيس مصري يتحالفون معه ثم ينقلب الاثنان على بعض وهذا جائز سياسياً، بتبعاه وهكذا فالحرب على الإسلام لم ولن تتمثل يوماً بالمشاكل التي تحدث مع الإخوان وليس الإسلام يرتبط بشخص مرسي أو بديع أو أي شخص آخر بأي زمن كان، فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وما حدث من الجيش تجاه المتظاهرين الإخوانيين ليس الا ردة فعل متوقعة - وليس هذا تبريراً لكن الأحاديث والتسخين الذي سبق هذه المرحلة والمحاولات لفض الاعتصامات حول وجود مسلحين، وربما تصنيع أول نووي مصري لضرب التحرير، عدا عن التسخين المستمر في الميادين التي يتواجد بها الإخوان ضد الجيش والحكومة  الحالية وهذا رأيناه منذ أول يوم تم عزل مرسي فيه لكنها تبقى أحاديث ومهاترات لجماعة قاداتها بالسجون.

 هنا يأتي التناقض الأمريكي في استخدام أدواته سواء بالجيش أو بحلفائه الإسلاميين من حيث تدمير قوة الجيش المصري وانشغاله بالمشاكل الداخلية المصرية ( كما يحدث في سوريا وكما يحدث في العراق) خاصة في سيناء الآن، إما بزج مصر بحرب داخلية أو باستمرار سيطرة الجيش بهذه الطريقة الحذرة بحيث تضمن اسرائيل حدودها المصرية -اميركا ليست مستعدة كالسابق لزج جيوشها وتقليلها ميزانية الجيش هو خير دليل على ذلك بعد ما يحدث في الدول المُحتلة - وتضمن تدمير الأنفاق الذي لم يتوقف أبداً لا بعهد الاخوان ولا السيسي ولا مبارك، وهو المتنفس الوحيد لغزة والتهويل الاعلامي الكبير حول مليون ونصف المليون فلسطيني واحتلالهم النفط والغاز والكهرباء وربما تحويل خط النيل المصري ليصب في وادي غزة ونقل الاسكندرية إلى خانيونس - كل شيء وارد بالاعلام -. أي أن ما يحدث الآن ليس الا نتيجة متوقعة فالقتل في الطرفين وليس لأحد الفضل على أحد ولا يموت إلا الأبرياء رحمة الله عليهم، أما القادة والآمرين فلا يموت منهم أحد، والسؤال الذي يبقى هنا من منهم يموت لأجل مصر الجيش أم الاخوان؟ أم الطرفين؟ أم أن الطرفان يعبران عن طائفتين مختلفتين وهنا ينطبق عليهم قول رسول الله "من قاتل تحت راية عِمّية فقُتل فقِتْلته جاهلية". وهو ما يستدعي ايضاً الحركات الاسلامية في العالم العربي لاعادة النظر في نهجها وخصوبة أرضها وحماية الإسلام  قبل الحزب فلا يدمر البيت إلا أهله ولا يحسد المال إلا صاحبه.

 ما يحصل في العالم العربي حديثاً، ليس بعيداً عما حدث في أوروبا منذ مئات السنين، قد يحتاج العالم العربي لحرب لن أقول عالمية بل عربية لتصفية كل من يخلق الفتنة وكل من يظلم وكل من لا يتعلم من أخطائه أو أخطاء غيره ولتنظيف كامل الأوساخ أو معظمها. الجيوش العربية بحاجة لإعادة بناء العالم العربي كله بحاجة لإعادة بناء تبدأ من دول الخليج العربي صاحبة العقل الأسود، حرب تنتهي فيها الملكيات والاحكام العسكرية ويصبح فيها الجيش خادماً للشعب وليس خادماً للحاكم وننتهي من الحكومات البوليسية، وليس بالسيء لأن يخضع العالم لمرحلة داروينية تتغير فيها الأنظمة العربية لتهتم بشعبها لا أن تقتله. ونتخلص فيها من كل الرموز القديمة والعادات البالية مع تطبيق للدين فيما يخدم البشر وليس فيما يخدم السياسيين فقط أو رجال الدين. لأن ما يحدث هو لا مبالاة أخلاقية إنسانية يذهب ضحيتها الأبرياء ليس في مصر فقط بل في العالم العربي أجمع باشكال مختلفة.

   فالدعوة لحقن الدم ولحل الأمر ولحماية مصر من كل شر ووقفة الحق هي بالإصلاح وبالفلاح لا بالفتنة والإفساد.  رحمة الله على مصر وأهلها الأحياء منهم والأموات. وليس الحق بالحياد.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.